ويستمر حرمان تيزنيت العالمة من الجامعة !!

و لم يقتصر إشعاع تيزنيت على الرجال ،بل خرج الإقليم نساء متعلمات رائدات في زمن لم تكن المرأة فيه تحظى بفرصة التعلم. تفوق و استثناء قل نظيره في باقي مناطق المغرب وقتئذ.
و استطاع الإقليم بفضل نبوغه العلمي أن يصدر العلماء و الفقهاء و الصوفية إلى مختلف مناطق المغرب،  وما تزال مراكش و فاس وغيرها تتنسم عبير الإرث العلمي الذي خلفه علماء سوسيون تيزنيتيون في هذه الحواضر.
كما استقطب الإقليم مراجع التربية وعلماء الشريعة ، فاستهوى أسرا علمية متعددة قدمت بعضها من خارج المغرب كأسرة كوغرابو الشريفة الأندلسية . واستضافت تيزنيت الشيخ  المربي العالم ماء العينين ذو الجاه المهيب و المكانة السامقة و لا يزال أحفاده و زاويته بالمدينة  شاهدين على ثمرة ذلك الوفود المبارك.
إن الفضل في رفعة تيزنيت وسموها لزمن طويل، عائد بالأساس للمدارس العتيقة المنتشرة في كل قبائلها ، و التي أسهمت بشكل مباشر في صقل المواهب، ونشر مناخ عام يحفز على طلب النبوغ العلمي.
لقد كانت المدارس العتيقة بمثابة جامعات مبثوثة في كل قبائل الإقليم،نهل من معينها الصافي رجال الماضي و نساؤه، فأثلوا لنا تراثا سلوكيا لا تزال بصماته راسخة في شخصية أبناء المنطقة ،فصارت تيزنيت عنوانا ل :الحشمة و الوقار،الجد في العمل،احترام الجيران،الارتباط بالأسرة،احترام القانون ………
لكن و للأسف،لم تساير تيزنيت التطور الذي عرفه التعليم بالمغرب ولم تكيف و سائلها مع روح العصر، ولم  توطن المعاهد و مؤسسات التكوين الحديثة و الجامعات، فانحصر إشعاع تيزنيت العلمي،وصار أبناء الإقليم و بناته( إن سمح لهن) يبحثون عن فرصة التعلم في جامعات أكادير و مراكش و الرباط وفي كثير من الأحيان دون منحة جامعية !!!!
وربما اكتفى أغلبهم بالتكوين المهني ( يحتضن حاليا أكثرمن1000 طالب )،أو بمركز المعلمين حيث لا يخلو بيت تيزنيتي من رجل تعليم ،.
الأسف كل الأسف،على افتقار تيزنيت لجامعة أو لملحقة جامعية. من باب إكرام الإقليم المشهود له بالسبق في تأسيس أقدم جامعة قروية بالمغرب(زاوية سيدي وكاك التي أنجبت مؤسس دولة المرابطين عبد الله بن ياسين)، أن يتشرف باحتضان جامعة على أرضه.
فتيزنيت تتوفر على كل الشروط المطلوبة : توافر العقار و انبساط التضاريس- روافد متعددة- شباب نشيط و مجد- توافر الحاجيات و السلع الاستهلاكية- إمكانية سكن الطلبة متوفرة- استقرار أمني محسودة عليه – اختناق جامعات أكادير بالطلبة…..
من العيب و العار أن تستثنى تيزنيت من نواة جامعية و هي محضن العلم و العلماء ،ولا تساوى في هذا الحق مع مدن أخرى (كلميم نموذجا).
إن استمرار استثناء تيزنيت من احتضان جامعة أمر يرفضه الجميع ،و الإصرار على هذه الوضعية الشاذة يبقى غير مفهوم،و يحلله كل بطريقته ، بشكل يحعل المسؤولية مشتركة بين عدة أطراف:
– فمن قائل إن سهو الأحفاد عن نهج الأجداد هو السبب المباشر، أي أن اللوم يقع على عاتق أبناء الإقليم الذين لم يلحوا في الطلب،وبدلوا الهم العلمي بهموم أخرى.
–  ومن قائل إن الهاجس الأمني و العقلية المخزنية العتيقة وراء هذا الاستثناء، فهناك تخوف من سريان روح و هوس الجامعة الثوري و الصاخب في المدينة السلطانية، مما سيعصف باستقرارها ووداعتها و يخرجها عن طورها.
– و من قائل إن الجامعة ستسهم في تغيير الفسيفساء السياسية بالمدينة و تعدل التوازنات التي صنعتها النخب الكلاسيكية منذ عقود و ستكون صدى و مجالا لانتشار أصوات و دعوات غير مرغوب فيها : أمازيغية و قاعدية و إسلامية.
– ومن قائل إن تيزنيت يتعامل معها بمنطق الاحتقار، فقد منحوها شرف  احتضان(الإشعاع الدخاني) من المحطة الحرارية بدل (الإشعاع العلمي) من الجامعة، و ذلك لأن ساكنتها  مجبولة على قبول كل أمرمفروض .
تبقى هذه آراء و فرضيات ، والحقيقة المفزعة أننا نعيش تقهقرا متسارعا للحياة العلمية للمدينة ونحن جميعنا شركاء.إن واقع الحال يفرض علينا أن نتحرك جميعا لتدارك ما يمكن تداركه، ومن باب الصراحة لا بد أن نسأل :
– هل الاهتمام بالحياة العلمية للمدينة من أولويات المسؤولين؟
– هل دافع برلمانيو الإقليم و جلهم رجال تعليم عن حق المدينة في احتضان الجامعة؟
– ماذا قدمت المجالس البلدية والإقليمية المتعاقبة في خدمة هذا المطلب؟
– ما حض الأحزاب السياسية و هيئات المجتمع المدني و عموم الساكنة في الدفاع عن خلق جامعة بالمدينة؟
أسئلة ملحة أتمنى أن يتم التجاوب معها بشكل إيجابي،و أن تتضافر الجهود بما يضمن حق الإقليم في احتضان الجامعة  .

بقلم هشام كرطيط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق