خطبة عيد الفطر في موضوع : علامات الهدى في الأحاديث التي تبدأ بطوبى

540288_101023943366165_1496260573_n

خطبة عيد الفطر في موضوع  : علامات الهدى في الأحاديث التي تبدأ بطوبى

الخطبة الأولى

الله أكبر.  الله اكبر. الله أكبر. مسبب اﻷسباب. وفاتح اﻷبواب. الله أكبر الكريم الوهاب . الله أكبر الغفار التواب. الله أكبر”يمحو ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب” الله أكبر  وهو الحفيظ العليم.

 

الله  أكبر.عظيم المجد و الكبرياء. الله  أكبر. مقدس الصفات و الأسماء. الله أكبر. أهل الحمد و الثناء. الله أكبر أهل الشكر على ماله علينا من النعم  و اﻵﻻء. الله أكبر.” لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء، يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.”

 

الله أكبر العزيز الغفور. الله  أكبر الحليم الشكور. الله  أكبر خير مذكور.   الله أكبر شارح الصدور . الله أكبر بيده مقاليد الأمور.” وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ .” الله أكبر و هو العلي العظيم.

 الله أكبر و لله الحمد. المنعم الخلاق. الله أكبر و لله الحمد. باسط اﻷرزاق. الله أكبر و لله الحمد دعانا للتأمل في الأرض و الآفاق:” أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ. كَانُوا هُمُ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ”غافر21. الله أكبر و هو الغفور الحليم.

      الحمد لله الذي يتضاءل دون حقه حمدُ الحامدين، الحمد لله عدد الذاكرين            و الغافلين، الحمد لله كما ينبغي لبهائه و جلاله، الحمد لله كما يليق بمجده          و كماله، الحمد لله المتوحد في عزته و كبريائه، الحمد لله حمدا كثيرا على نعمه وآلائه، و نذكره سبحانه ذكرا لا يبقي في القلب استكبارا و لا نفورا، الحمد لله      و الشكر له إذ “جعل الليل و النهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا”.

      سبحان الله ربي ﻻ رب سواه. سبحان الله ربي ملجئي عظيم الجاه. سبحان  الله الواحد اﻷحد، الفرد الصمد . المنزه عن الشريك و الصاحبة و الولد.  سبحان الله الخافض الرافع. سبحان الله المعطي المانع. سبحان الله ذي الجود الواسع. سبحان الله الباعث الجامع. “إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ . مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ” .

   الحمد لله الذي بعث نبيه سيدنا محمدا بالحق بشيرا و نذيرا،  و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا، الحمد لله الذي أكرمنا بهذا النبي الرسول الكريم، الطيب الطاهر الجليل الفخيـم، الصادق الزكي الرءوف الرحيم، نبي الرحمة، و كاشف الغمة، وشفيع الأمة.

    اللهم صل و سلم عليه و على آله صلاة تجل عن العدد. و يستمر بها السريان للمدد. اللهم صل و سلم عليه و على آله صلاة تنجلي بها عن أبصارنا الظلمات.   و تشرق على  قلوبنا شموس الهدايات. صلاة تغنينا  و تكفينا، و تتحفنا و تُقنينا. و من كل الشرور تحمينا . و من كيد اﻷعداء تنجينا. إلى نلقاه و نفوسنا مؤمنة به حقا و يقينا.

و نشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له، غمر عباده المقربين بلطائفه،     و عمر قلوبهم بأنوار الدين و وظائفه، باين سبحانه السلاطين بفتحِ الباب، و رفـْعِ الحجاب، و رخص لنا في المناجاة بالصلوات، كيفما تقلبت بنا الحالات في الجماعات و الخلوات، بل تلطف لنا في ذلك بالترغيب و الدعوة، بينما ملوك الدنيا الضعفاء لا يسمحون لأحد معهم بالخلوة، إلا بعد تقديم وساطة أو هدية أو رشوة، فسبحانه ما أعظم شأنه، و ما أقوى سلطانه، و ما أتم لطفه و أعم إحسانه. فسبحانه سبحانه “تسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًاالإسراء44

     و نشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبده و رسوله، نورُ العيون          و ضياؤها، و طب القلوب و شفاؤها، امتن الله عليه بالكتاب المنزل، و القول المُفصَّل، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيــم حميد، هو الضياء و النور، و الشفـاء لما في الصدور، و به النجاة من الغرور، من خالفه من الجبابرة قصمه الله، و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، و نوره المبين، لا تنقضي عجائبه، و لا تتناهى غرائبه، لا يُخْلِقـُهُ عند أهل التلاوة كثرة الترديد، و لا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد، لمَّا سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم منذرين فقالوا:” إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد  فآمنا به و لن نشرك به أحدا”.

    فالله أكبر و لله الحمد، أما بعد من يطع الله و رسوله فقد اهتدى و رشد، و سلك منهاج السعادة و السؤدد، و من يعص الله و رسوله فقد ساء سعيه و خاب ما قصد، و خسر خسران الأبد “من يشإ الله يضلله، و من يشأ يجعله على صراط مستقيم

نسأله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن قال: ربِّيَ الله ثم استقام  فتقبل الله منه شهادة التوحيد و الصلاة و الصيـام،  و وفقنا الله و إياكم إلى اغتنام مواسم الطاعات،        و متاجر المَبرَّات طول العام آمين.

     الله أكبر و لله الحمد الذي خصنا بهذا اليوم المبارك الميمون، الذي يجتمع فيه المسلمون في أقطار الأرض، يشهَدُ سبحانه سائلَنا وطالبنا،و راغبَنا و راهبنا        و ينظر حوائجَنا و يسمع دعاءنا، فيقسم بيننا فضله و خيره ، و يُحل علينا عافيته     و بركته ، فطوبى لمن عمل بطاعته، وحل ببيته و ساحته و أنزل به دون سواه من حاجته،

عباد الله إن من آيات الله التي ينبغي استحضارها يوم العيد  قوله عز وجل في كتابه المجيد﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فكبروا الله، فقد حُق لمن حصل له الهدى أن يكبر الله تعظيماً ، و يكثر من تمجيده تفخيما ، و أن يحمد ربه حمدا كثيرا، إذ قوم بالصيام أخلاقه، و عدل بالقيام سلوكه. كيف و قد كان ميتاً فأحياه الله، و كان ضالاً فهداه الله،  و كان شقياً فأسعده الله، حُق له أن يقول الله أكبر، و يكثر من الحمد مرددا قول الله : ” الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله“.

العيد  أيها المؤمنون لمن عاد إلى الله، فسعد بقربه، العيد لمن انضوى إلى جناب الله و احتمى بظله، العيد لمن التزم بشرعه، و اتبع سنة نبيه، هذا هو العيد، ليس العيد استعراضا لعاداتنا، و لا اقتصارا على لبس الجديد من ثيابنا، أو اجتهادا  في أكل الحلوى و الثريد، و إسعافا للنفس في شهواتها بما تريد. بينما قلوبنا عن معرفة الله غافلة، و أحوالنا عن طريق الشرع مائلة، إنما العيد الحقيقي عيد من عاد إلى الله عز وجل بالطاعات، ونزه ساحته عن المعاصي و المخالفات، العيد عند المسلمين مناسبة لتجديد الإيمان بكثرة الأذكار، و اتخاذها العنوان و الشعار. فعن سعد الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطريق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يَمُنّ ُ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة )) [أخرجه الطبراني عن أوس الأنصاري]

أيها الإخوة المؤمنون،يقول الله تعالى:” الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  طُوبَى  لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ” الرعد( 29) ويقول نبينا المصطفى، صلى عليه ربنا و شرفا، في عدة أحاديث بدأها بكلمة “طوبى” ومعنى طوبى أي مصدر طاب، طابت حياته، طابت نفسيته، طابت صحته، طابت علاقاته، طابت أسرته، طاب عمله.  طابت في النعيم جنته،  فارتأينا أن نسمعكم من هذه  الأحاديث قوله عليه الصلاة و السلام:

((طوبى للغرباء، فقيل: من الغرباء يا رسول الله ؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر من يطيعهم )) [أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمرو] فاسأل نفسك أخي المؤمن:هل أنت مع الأكثرية الضالة، أم مع الأقلية المهتدية، هل أنت مع الأكثرية التائهة الشاردة، الفاسقة، أم مع الأقلية المستقيمة اذكر قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله ﴾[ الأنعام 116 ]. و قوله عليه الصلاة و السلام: (( بدأ الدين غريباً، وسيعود غريباً فطوبى للغرباء)) .

و منها قوله عليه الصلاة و السلام: ” طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء” لماذا طوبى للمخلصين؟ لأنهم أخلصوا أعمالهم من شوائب الأكدار، ومحضوا عبادتهم للواحد القهار، هم الواصلون للحبل، و الباذلون للفضل و الحاكمون بالعدل، لما أخصلوا لله، لم يكن لغيره عليهم سلطان، وهم منه في حماية وأمان. يقول أبوحامد الإمام الغزالي رحمه الله: عقبة الإخلاص عقبة كؤود، لكنه بها يُنال كل مطلوب ومقصود.

و منها قوله عليه الصلاة و السلام: ” طوبى للسابقين إلى ظل الله، الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سُئلوه بذلوه، والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم”    ( الجامع الصغير: عن ” عائشة)

هذا الحديث أيها الإخوة المؤمنون، مِحَكٌ دقيق لإيمان أحدنا، مَن هم السابقون إلى ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ؟ إنهم الذين إذا أعْطُوا الحق قبلوه،  أي لم يطالبوا بأكثر مما يستحقون، يقال لك هذا حقك فتأخذه وأنت راضٍ، ولا تكون كشرار الناس يريد أن يأخذ فوق حقّه. الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، يقال لك هذه أجرتك، وهذا نصيبك مِن الميراث، وهذا نصيبك من هذه الشركة، وهذا نصيبك من هذه الصفقة، وهذا نصيبك من الطعام، وهذا نصيبك من اللباس.  فتقول لأنك مؤمن: قبلت. أما غير المؤمن فيريد أكثر من حقه. و يطمع أن ينصب على غيره في رزقه.

طوبى للسابقين إلى ظل اللهوإذا سُئلوه بذلوه، والذين يحكمون للناس بكمهم لأنفسهم)) إذا قال لك الأجير:أعطني أجرتي. تعطيه إياها عن حبٍ وكرامة، وعن طيب نفسٍ، وعن تسامحٍ، وعن سرورٍ، و لا تكون كالذي يقول لمن له عليه حقٌ ثابت: دونك المحاكم لها سبعة أبواب، اختر أي بابٍ شئت، هذا ليس مؤمناً، مادام الحق ثابتاً عليك فلماذا لا تعطي الحق لأصحابه ؟ لماذا تتلكأ ؟ لقد وقَّعت معه عقداً بالسعر المُناسب، وكنت راضياً، وتمَّ الإيجاب والقبول، لماذا تقول له: لا أفرغ لك المحل ؟ الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، بعتـَه بيعاً قطعياً ونقدك الثمن كله، والسعر مناسب، وتم الإيجاب والقبول، وانتهى كل شيء، ولم تفرغ له هذا البيت بسببٍ أو آخر، ومضت عشرة سنواتٍ أو أكثر فأصبح ثمن المحل بعشر أمثال. ناصيته بيدك،فتقول: لا أفرغه لك حتى تعطيني  كذا و كذا مليون زيادة، لماذا يا أخي لا تبذل الحق لصاحبه إذا سأله؟ ما الذي حصل؟ لن تكون أبدا من السابقين إلى ظل الله يوم لا ظل إلا ظله إذا منعت الحق أو ساومت فيه. ؟ فقوله صلى الله عليه و سلم إذا سئلوه بذلوه.هذا  من علامة إيمان المؤمن ـ لعل أحدنا إذا رأى الرجل يصلي في المسجد يظنه مؤمناً حقا، لا والله لا تظهر حقيقة إيمانه إلا  بعد النظر إليه ـ عند التعامل بالدرهم والدينار، عند البيع والشراء، في الأسواق، في العقود،  هناك ستتحقق من الإيمان. أيها المؤمن سمعتك  وشرفك، وعِرضك أغلى مِن حُطام الدنيا .فلا يعمينك الطمع، و لا يشقينك الجشع. فإنما حلال الدنيا حساب   و حرامها عقاب. و من حوسب يوم القيامة لم ينج من العذاب. لأن الوقوف للحساب في حد ذاته عذاب و أي عذاب.

         والذين يحكمون للناس حكمَهم لأنفسهم:هذا هو المعيار للصدق في الإيمان، فالمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فكما لا يحب أن يُظلم أو يغمط حقه، كذلك لا يحب لأخيه المؤمن لو كان في مثل موقفه.

هذا الصانع الذي في محلك التجاري، لو أنه ابنك هل تكلِّفه هذه الأعمال ؟ هل تضع على ظهره كل هذه الأثقال ؟ هل تنهره أمام الناس؟ هل تُضَيِّق عليه ؟ هل تزجره.؟ اذكر قوله صلى الله عليه و سلم” يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم “.والله الذي لا إله إلا هو، لو طبَّق الناس هذا الحديث لعاشوا في سلم و سعادة ما بعدها سعادة. الله أكبر .

و منها قوله عليه الصلاة و السلام: “طوبى للعلماء، طوبى للعُباد، ويل لأهل الأسواق” (الجامع الصغير: عن ” أنس”لماذا  طوبى العلماء؟  لأن علمهم الذي في صدورهم من الجهالة يحميهم، و تعليمهم  العلم لغيرهم يعلي من شأنهم و يرقيهم، خير الناس من تعلم و تعلم و الباقي همج لا خير فيه. لماذا طوبى للعُباد؟  لأن عبادتهم لربهم تقيهم الفتن و تنجيهم. و ذكرهم لمولاهم يزيل عنهم الغفلة التي تقسيهم، أما لماذا الويل لأهل الأسواق؟ فالمقصود ” بأهل الأسواق ” الذين لا يعرفون في الحياة إلا الأسواق، ولا يعرفون في الحياة كلها إلا البيع والشراء، ولا يعنيهم إلا جمع الدرهم والدينار ؛ بحقٍ أو بغير حقٍ، بشكلٍ مشروعٍ أو غير مشروعٍ، بأصولٍ أو بغير أصولٍ، بما يرضي الله أو بما يغضبه.. “. جعلوا من الدرهم والدينار معبودهم، جعلوا مِن الدرهم والدينار وحده دونما سواه هدفهم،أهل الأسواق الغافلين عن ذكر الله استولت عليهم الغفلة، والتخليط، والغش، والخيانة، والأيمان الباطلة، استغلقت عليهم، واستولت على قلوبهم.لذلك ينبغي للمؤمن إذا غدا إلى سوقه، أن يحذر شرها فلا يكون أول من يدخلها. وإذا دخلها، سأل الله تعالى من خيرها وخير أهلها، وتعوذ به من شرها وشر أهلها. وإذا اشترى شيئا، شهد الشهادتين، وكبر الله تعالى، فإنه أبرك له فيما يشتريه. وسأل الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه.  و قد كان من دعائه عليه الصلاة و السلام “عند دخول السوق و الخروج منه: لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويُميت، وهو حي لايموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير. رواه الترمذي، و من دعاء الإمام علي رضي عنه عند دخول السوق:أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرُسُولُهُاَللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ صَفْقَةٍ  خاسِرَةٍ وَيَمينٍ فاجِرَةٍ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ بَوارِ  الْاَيِّمْ.  و من دعائه عند الخروج: اللهم اِنّي اَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفُسُوقِ وَمِنْ شَرِّ هذِهِ السُّوقِ. الله أكبر.

و منها قوله عليه الصلاة و السلام:”طوبى لمن بات حاجاً وأصبح غازياً“(الجامع الصغير عن ابي هريرة)  لعلكم تحبون أن تعرفوا من هو يا عباد الله ، هذا الذي يبيت كل يوم حاجاً ويصبح غازياً؟ الجواب:  قال عليه الصلاة والسلام: “رجلٌ مستورٌ، ذو عيالٍ، متعففٌ، قانعٌ باليسير من الدنيا، يدخل على أهله ضاحكاً، ويخرج مِن عندهم ضاحكاً، فو الذي نفسي بيده إنهم هم الحاجّون الغازون في سبيل الله عز وجل” الجامع الصغير: عن ابي هريرةـ .يقول ذو النون رحمه الله في مواعظه: سُلبَ الغنى من سُلب الرضا، ومن لم يُقنِعه اليسير افتقر في طلب الكثير، والزمْ القناعة تشرُف في الدنيا والآخرة، وما بَسَقت أغصانُ ذلٍّ إلا على بذور طمع. الطمع أذل رقاب الرجال. الله أكبر.

و منها ما أخرجه أبو القاسم الطبراني في جزئه:”عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ ، فَقَالَ : ” أَيُّهَا النَّاسُ ، كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ ، وَكَأَنَّا سَفَرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ ، وَنَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ ، كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ ، قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظَةٍ ، وَأَمِنَّا كُلَّ جَائِحَةٍ ، أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عَيْبِ النَّاسِ ، وَتَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ ، وَذَلَّ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ ، طُوبَى لِمَنْ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّة ُوَلَمْ يَتَعَدَّهَا إِلَى بِدْعَةٍ” 

و منها قوله عليه الصلاة و السلام: “طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ“(الطبرانى فى الأوسط) و منها قوله عليه الصلاة و السلام: “طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ “.(الطبرانى فى الأوسط)و منها قوله عليه الصلاة و السلام:” طُوبَى لِمَنْ وَجدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا” (أخرجه ابن ماجه)”.الله أكبر.

أيها المؤمنون لعلكم بعد الذي سمعتم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم تتساءلون ما هي طوبى هذه التي يبشر بها النبي صلى الله عليه و سلم؟  .  روي عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سأل رسول الله ما طوبى؟ قال: شجرةٌ في الجنة مسيرة مائة سنة، ثيابُ أهل الجنة تخرجُ من أكمَامِها  . وعن معاوية بن قُرّة عن أبيه يرفعه:  طوبى شجرةٌ غرسها الله تعالى بيده، ونفخَ فيها من رُوحه، تنبت الْحُلِيَّ والحُلَل، وإن أغصانها لَتُرى من وراء سُور الجنة. “وعن زيادٍ مولى بني مخزوم أنه سمع أبا هريرة يقول: إنّ في الجنة لشجرةً يسير الراكب في ظلِّها مائة سنةٍ [ لا يقطعها ] اقرؤوا إن شئتم: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (الواقعة – 30 ) فبلغ ذلك كعباً فقال: صدق والذي أنـزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد، لو أنّ رجلا ركب حقّةً أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هَرِماً، إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من رُوحه، وإنّ أفنانها لمن وراءِ سور الجنة، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة” . وقال عبيد بن عمير: هي شجرة في جنة عدن، أصلها في دار النبي صلـى الله عليه وسلم، وفي كل دار وغرفةٍ غصن منها، لم يخلق الله لوناً ولا زهرةً إلا وفيها منها إلا السواد، ولم يخلق الله تعالى فاكهةً ولا ثمرة إلا وفيها منها. تنبع من أصلها عينان: الكافور والسلسبيل. قال مقاتل: كل ورقة منها تُظِلُّ أمة، عليها مَلَكٌ يُسبِّح الله عز وجل بأنواع التسبيح. جعلنا الله و إياكم من أهلها. الله أكبر.

أيها الإخوة المؤمنون، مرة أخرى: نقول لا تكونوا رمضانيين لا تعرفون معنى الطاعة إلا في شهر واحد، لا معنى لصيامكم، ولا  لقيامكم إلا بمحافظتكم على استقامة جوارحكم و صلواتكم  وتلاوتكم لكتاب الله تعالى، و تفقهكم في أمر دينكم. طول العام .اللهم اهدنا فيمن هديت،وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا،وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا.أيها الإخوة المؤمنون كان الإمام علي كرم الله وجهه يقول هذه الوصية: لا تكن ممن يرجو الآخرة من غير عمل.(الكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفَسَهُ هَواهَا وتمنَّى على الله الأماني)[ أخرجه الترمذي عن شداد بن أوس] طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب، لا تكن ممن يرجو الآخرة من غير العمل، ويؤخر التوبة بطول الأمل، هلك المسوفون، الذين يسوفون التوبة، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، قوله لا يطابق عمله، سريرته لا تطابق جهره، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، ويقيم على ما يكره الموت له، إن سقم ـ يعني إن مرض ـ ظل نادماً، وإن صح أمن لاهياً.يُعجب بنفسه إذ عوفي، ويقنت إذا ابتلي، إن أصابه بلاء دعا مضطراً، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، أليس الموت حق؟ يخاف على غيره بذنب أدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله، إذا استغنى بطر وفُتن، وإن افتقر قنت ووهِن، يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوف التوبة، وإن عرته محنة يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ، فهو بالقول مُدل، ومن العمل مُقل، ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى الغُنم مغرماً، والغربة مغنماً، يخشى الموت، ولا يبادر الفوت، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعة نفسه ما يحقره من طاعة غيره، فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره، يرشد غيره، ويغوي نفسه، يطاع، ويعصي، ويستوفي ولا يوفي، يخشى الخلق في غير ربه، ولا يخشى ربه في خلقه. الله أكبر.

أيها المؤمنون يقول الله تعالى:” و إذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعي إذا دعان” و يقول عز شأنه:” و قال ربكم ادعوني أستجب لكم” فارفعوا عباد الله أكفكم  معنا إلى الله بالدعاء، و أنتم موقنون بالإجابة و تحقيق الرجاء، مع قلب خاشع و لسان خاضع: (الدعاء للأمير) ثم:

* اللهم يا من لا تنقضي عجائب عظمته احجبنا عن الإلحاد في عظمتك، و يا من لا تنتهي مدة ملكه اعتق رقابنا من نقمتك، و يا من لا تفنى خزائن رحمته اجعل لنا نصيبا من رحمتك، و يا من تنقطع دون رؤيته الأبصار أدننا إلى قربك، و يا من تصغر عند خطره الأخطار كرمنا عليك، و يا من تظهر عنده بواطن الأخبار لا تفضحنا لديك، اللهم أغننا عن هبة الوهابين بهبتك، و اكفنا وحشة القاطعين بصلتك، حتى لا نرغب إلى أحد مع بَذلِك، و لا نستوحش من أحد مع فضلك، اللهم كد لنا     و لا تكد علينا، و امكر لنا و لا تمكر بنا، و أدل لنا و لاتدل منا، اللهم قنا بك،        و احفظنا بك، و اهدنا إليك ولا تباعدنـا عنك، إنَّ مَن تـَقِه يسلـم،  و من تهده يعلم،   و من تقربه إليك يغنم، اللهم اكفنا حد نوائب الزمان، و شر مصائد الشيطان،        و مرارة صولة السلطان، اللهم إنك من واليت لم يضرُرْهُ خذلان الخاذلين، ومن أعطيت لم ينقصه منع المانعين، ومن هديت لم يغوه إضلال المضلين، فاللهم امنعنا بعزك عن عبـادك، و اغننا عن غيرك بإرفادك، و اسلك بنا سبيل الحق بإرشادك، اللهم  و اجعل سلامة قلوبنا في ذكر عظمتك، و فراغ أبداننا في شكر نعمتك         و انطلاق ألسنتنا في وصف مِنَّتك، اللهم اجعلنا من دعاتك الداعين إليك، وهداتك الدالين عليك، ومن خاصتك الخاصين لديك، يا أرحم الراحمين .

     اللهم إنا أصبحنا في يوم عيد جديد و هو علينا شاهد عتيد، و قد ودعنا رمضان غير بعيد، فاللهم اعصمنا من سوء مفارقته، و ارزقنا من العيد حُسن مصاحبته، اللهم نجنا من مقارفة الذنوب و ارتكاب الجرائر، و جمل منا الظواهر و طهر السرائر، اللهم أجزل لنا في يومنا هذا من الحسنات، و أخلنا فيه من السيئات،        و املأ لنا ما بين طرفيـه حمدا و شكرا، و أجرا و ذخرا، و فضلا و إحسانا، اللهم يسر على الكرام الكاتبين مئونتنا، و املأ من حسناتنا صحائفنا، و لا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا، اللهم اجعل لنا في كل ساعة من ساعات أعمارنا حظا من عبادتك،  و نصيبا من شكرك، و شاهد صدق من ملائكتك، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا و عن أيماننا و عن شمائلنا و من جميع نواحينا حفظا عاصما من معصيتك، هاديا إلى طاعتك، مستعملا لمحبتك، اللهم وفقنـا في يومنا هذا، و في ليلتنا هذه      و في جميع أيامنا لاستعمال الخير و هجران الشر، و شكر النعم، و اتباع السنن،    و مجانبة البدع، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و حياطة الإسلام و انتقاص الباطل وإذلاله، و نصرة الحق وإعزازه، و إرشاد الضال و معاونة الضعيف، و إدراك اللهيف، اللهم اجعل يومنا هذا أيمن يوم عهدناه، و أفضل صاحب صحبناه، و خير وقت ظللنا فيه، و اجعلنا فيه مِن أرضى خلقك، و أكرمهم عليك و أشكرهم لنعمك، و أقومهم بشرعك، و أوقفهم عند نهيك، اللهم أنت المدعو للمهمات، و إليك المفزع في الملمات، لا يندفع منها إلا ما دفعت،  و لاينكشف منها إلاما كشفت، فاللهم افتح لنا باب الفرج بطولك، و اكسرعنا سلطان الهم بحولك،     و أنلنا حسن النظر فيما شكونا، و أذقنا حلاوة الصنع فيما سألنا، و هب لنا من لدنك رحمة و فرجا، و اجعل لنا من لدنك مخرجا، اللهم يا من لا تخفى عليه أنباء المتظلمين، و يا من لا يحتاج في قصصهم إلى شهادة الشاهدين، و يا من قَرُبت نصرته للمظلومين و يا من بَعُدَ عونه عن الظالمين،  قد علمت يا مولانا ما نالنا من أعداءك و أعداء دينك، فاللهم خذ ظالم المسلمين وعدوهم عن ظلمهم بقوتك، و افلل حَدَّه عنا بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه، و عجزا عما يناويه، اللهم أحسن على عدونا عوننا واعصمنا من أفعاله، و لا تجعلنا في مثل حاله، اللهم اشف غيظ قلوبنا، و خذ لنا من عدونا ثأرنا، و عوضنا من ظلمه لنا عفوا منك، و أبدلنا من سوء صنيعه رحمة منك بنا، اللهم صل دعاءنا بالإجابة، و اقرن شكايتنا بالتغيير، اللهم لا تفتنا بالقنوط من إنصافك، ولا تفتن العدو بالأمن من إنكارك، فيصر على ظلمنا اللهم عرف عدو المسلمين و عدو الدين عما قليل ما أوعدت الظالمين، و عرفنا يا ربنا ما وعدت من إجابة المضطرين، اللهم احم حمى الحرمات من إفساد المفسدين و عبث العابثين، اللهم اجعلنا من جندك، فإن جندك هم الغالبون، و اجعلنا من حزبك فإن حزبك هم المفلحون، و اجعلنا من أوليائك فإن أولياءك لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا آخرتنا فإنها دار مقامنا، واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، و الوفاة راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ولوالدينا و لمشائخنا و لمن علمنا و لكل من له حق علينا  و لجميع المسلمين الأحياء منهم  و الأموات،  إنك سميع مجيب الدعوات.

” إن الله و ملا ئكته يصلون على النبيء”

“ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما”

اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق،         و الهادي إلى صراطك المستقيم

و على آله حق قدره  و مقداره العظيم .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين

و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى رحمته :” ذ سعيد منقار بنيس”

الخطيب   بمسجد ” الرضوان ” لافيليت ” عين البرجة الدار البيضاء

الهاتف: 0661084514

البريد الالكتروني [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق