من يوقف فوضى المقررات الأجنبية في القطاع الخاص؟

المقررات المدرسية

لا ندري بالتحديد السبب الذي يجعل وزارة التربية الوطنية تتراخى بشكل كبير مع المقررات الفرنسية الأجنبية التي يفرضها القطاع الخاص على التلاميذ، فالقانون واضح في ذلك، فالمقررات الدراسية في جميع أسلاك التعليم في القطاع العام والخاص وجب أن تكون معتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية، والاستثناء الوحيد الموجود هو الذي يرتبط بالدعم الذي يمكن فيه استعمال بعض المقررات.

الواقع الذي يجري على الأرض، وتعلمه جيدا وزارة التربية الوطنية لأنه يجري أولا في العاصمة، هو أن الاستثناء صار هو القاعدة المعتمدة، وأصبحت المدارس الخاصة تفرض مقررات أجنبية على التلاميذ لا تعلم وزارة التربية الوطنية ولا المجلس الأعلى للتعليم مضمونها ولا حمولتها التربوية ولا منظومة القيم التي سيتشربها التلاميذ منها ولا المعارف التي تتضمنها وهل هي صحيحة أم تقدم معلومات ومعطيات خاطئة عن دينهم وتاريخ بلدهم.

والحقيقة أنه في كل مرة يثار فيها هذا الموضوع يشهر البعض سلاح الانغلاق في وجه المنتقدين، كما ولو كان الانفتاح يعني فقدان السيادة التربوية وإشراع الأبواب في وجه المناهج والبرامج الفرنسية من غير رقيب ولا حسيب.

التجارب الدولية واضحة في هذا المجال، بل وبعض التجارب العربية الرائدة هي الأخرى تقدم نموذجا للجواب عن هذه الإشكالات، فالانفتاح لا يمنع من أن تخضع هذه المقررات لمصادقة وزارة التربية الوطنية، أو مصادقة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لاسيما وأنها تطرح أربع تحديات أساسية:

– التحدي السيادي: فقضية التربية والتكوين مرتبطة بقيم المواطنة، وهي ركيزة لبناء الشخصية المغربية المعتزة بهويتها الحضارية وبتجربتها التاريخية، ومن ثمة، فالتراخي في إخضاع هذه المقررات للمصادقة يعتبر بمثابة تفريط في السيادة التربوية للبلاد وسماح بحدوث اختراقات قد تضر على المدى المتوسط والبعيد بالسيادة الوطنية في أبعادها الكلية.

– التحدي القيمي: لأن هذه المقررات لا تتضمن فقط المعارف، وإنما تحمل في طياتها منظومة تربوية منطلقة من بيئة أخرى ومعادلة اجتماعية مختلفة، ولذلك فمن الطبيعي أن تحمل بين طياتها قيما ورموزا غير منسجمة مع مقتضيات الهوية الحضارية للأمة المغربية، هذا إن لم تحمل معطيات خاطئة عن تاريخ الإسلام وعن بعض معتقداته، وترسخ قناعات لا علاقة للمجتمعات المسلمة بها.

– التحدي التربوي:فصناعة المناهج والبرامج ليست مفصولة عن البيئة التي تنطلق منها، والمقررات بهذا الاعتبار ليست مجرد لغة أو معارف، بل تعكس البيئة المدرسية التي خرجت منها هذه المناهج والبرامج، ولهذا السبب يجد الذين يتعاملون مع هذه المقررات مفارقات صارخة بين الأنشطة التربوية المعتمدة في هذه الكتب وبين واقع المدرسة المغربية حتى في القطاع الخاص الذي يتمتع بإمكانات مهمة. أضف إلى ذلك مشكلة التكوين، فهذه المقررات التي صنعت في دول أجنبية، يدرسها أطر تربوية خضعوا لتكوين على أساسها، وأحدثت كتب للمدرس توضح مفردات التعامل معا، في حين يقع التنافر بين التكوين الذي يخضع له المدرس في المغرب، وبين طبيعة التكوين الذي يفترض أن يخضعوا له للتعامل مع هذه الكتب.

– التحدي الاقتصادي:ومرتبط من جهة بغلاء هذه الكتب وعدم خضوع أسعارها لأي ضابط بحكم أنها كتب أجنبية مستوردة، وهو ما يعرض المواطنين لفقدان التوازن المالي عند كل دخول مدرسي على اعتبار أن الكتب المعتمدة لدى وزارة التربية الوطنية تخضع لمعايير وضوابط في الأسعار تجعلها متناسبة مع القدرة الشرائية، ومرتبط من جهة ثانية بحجم الضرر الذي تتعرض له شركات الإنتاج المختصة في الكتب المدرسية وكذا دور النشر بسبب حرمانها من المنافسة على تأليف هذه الكتب هذا فضلا عن اثر استيراد هذه الكتب على الميزان التجاري.

هذه فقط بعض التحديات التي كان من المفروض على وزارة التربية الوطنية أن تأخذها بعين الاعتبار، وتسارع إلى إنهاء التمييز والمفارقة بين مقررات تخضع لمسطرة طويلة من الفلترة المعرفية والقيمية ومعايير الجودة والمنافسة قبل المصادقة عليها من قبل الوزارة، وبين كتب تدخل من غير ضابط ولا رقيب لا لشيء إلا لأن لغتها الفرنسية وصفتها الأجنبية شفعت لها، ولأن هناك جيوبا مبثوثة هنا وهناك تشرع ورقة الانفتاح كلما تم الاقتراب من هذا الموضوع.

بقلم بلال التليدي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق