تجارة البشر بـ”العلالي” في كل المدن !

حسن بوييخف

قد يتفاجأ المرء من الحديث عن انتشار جريمة شنيعة في المغرب من درجة خطيرة هي “الاتجار بالبشر”. غير أن واقع الحال يؤكد أن شوارع كل المدن المغربية بدون استثناء تشهد عرض آدميين لـ”البيع”، وأن عمليات العرض لا تتم في أسواق سرية و تحت جنح الظلام، بل تتم في العلن وتحت أعين الجميع وفي واضحة النهار. وتكون الجريمة أخطر وأدعى للاستغراب حين نضيف أن الذين يشاركون في استدامة تلك “التجارة” وانتشارها لسوا عناصر في شبكات دولية لتهريب البشر والاتجار فيه في ما وراء الحدود، ولكن مواطنين تتحرك مشاعر الخير في نفوسهم فيقعون، من حيث لا يعلمون، في ورطة “ترويج” بضاعة بشرية أغلب ضحاياها آدميون لا ذنب لهم سوى أنهم ضعاف: أطفال رضع أو “مرضى”، أو أشخاص من دوي الاحتياجات الخاصة.

ظاهرة الارتزاق بعرض آدميين ضعافا في الشوارع هي قمة الخطورة في ظاهرة التسول المنتشرة بشكل سرطاني قي كل المدن. ذلك أننا نتجاوز ظاهرة التسول بكل أشكال النصب على المواطنين فيها، إلى ظاهرة أخطر يكون فيها أشخاص ضعاف، بحكم عمرهم الصغير أو بحكم مرضهم أو عجزهم الجسماني، في وضعية الإكراه على العرض اليومي ولساعات في الشارع في كل فصول السنة، في وضعية لا إنسانية يستدر بها محترفو التسول مبالغ مالية لا يكون لهؤلاء الضحايا منها نصيب سوى ما يبقيهم أحياء كما لم يكن لهم في ” مشروع المتاجرة” بحالتهم الإنسانية رأي.

المشاهد الصادمة في هذا الإطار لا تعد ولا تحصى، نتوقف عند أكثرها ترددا.

الأول، تمر بمتسولة تضع غطاء رثا على الأرض، يَفترِش الغِطاءَ جسدُ طفل صغير يَلْتحِف العَراءَ، لا ردود فعل له يمكن رصدها تجاه حرارة الشمس صيفا و لا تجاه البرد القارص شتاء، يعيش حالة تنويم قسري، وبجانبه علب دواء “الربو”، وقطع نقدية لسان حالها يقول “هل من مزيد؟”. يوحي المشهد للناظر أنه أمام أم مكلومة لا تجد من يعينها على شراء دواء لفلذة كبدها. يتكرر هذا العرض المقزز أياما وأسابيع حتى إذا استنفد أغراضه التأثيرية في مكان تعمد “الأم التاجرة” إلى تغييره بمكان جديد، وقد تغير الطفل أكثر من مرة في العام الواحد. أليست هذه متاجرة بالبشر؟

الثاني، من بين المشاهد الجُرمية أيضا تلك التي تجد فيها امرأة بلباس أبيض لسان حاله يقول “إنها في أيام العدة”.

تحمل رضيعا بين يديها تقلبه يمينا ويسارا، وبجانبها رضاعة، وعلى فراش رث يقعد طفل صغير آخر بيده كسرة خبز ليس له أن يتحرك من مكانه … مشهد يوحي للناظر أنها أسرة قد فقدت للتو عائلها. و هذا العرض المتنقل أيضا يذر على المتسولة المحترفة أموالا طائلة. أليست هذه متاجرة بآدميين؟

الثالث، من بين المشاهد أيضا تجد بالغا، قد يكون امرأة أو ذكرا، وأمامه شخص من دوي الاحتياجات الخاصة، يعرضه في ظروف مأساوية هدفها التأثير على “الزبناء”، وبجانبه علب دواء فارغة و وأوراق تحاكي”وصفات طبية” وبجانبها قطع نقدية تنوب في رسالتها عن المتسول، هذا الأخير يكتفي برصد المارة، و تغيير المكان إلى مكان أفضل منه. أليست هذه متاجرة بآدمي؟

ليس الهدف هنا سرد كل أشكال ذلك الاتجار في البشر المنتشرة في كل المدن المغربية، فليس هناك مغربي واحد قد يزعم أنه لم يصادف تلك المشاهد اللا إنسانية، أو أنه لا يرجح، على أقل تقدير، أنها أشكال من الحيل للنصب على المواطنين. و لكن فقط لعرض نماذج منها بصفتها وضعيات واقعية منتشرة لنوع من التجارة سلعتها الأساسية إنسان في وضعية ضعيفة.

كثير من الناس يعلمون ما كشفه التحقيق في بعض الحالات التي وضع الأمن يده عليها، حيث أكدت معطيات تلك الحالات أن الأطفال الرضع المُتسوَّل بهم، إما يُسرقون من أمهاتهم، أو يتم اكتراؤهم منهن أو من خادمات بيوت في غفلة عن الآباء. كما أكدت تلك التحقيقات أن الأطفال الذين يتسول بهم وهم في حالة نوم دائم يتم تخديرهم في أحسن الحالان بمحلول طبي منوم. أما حالات الاعاقة فهي الأخرى لا تخرج عن “صفقات” الاكتراء من أوليائهم، أو الإكراه حين يتعلق الأمر بأبناء حقيقيين.

إننا أمام تجارة خطيرة ترتكز على استراتيجية جهنمية دعامتها الأساسية الاغتناء عن طريق استغلال مظاهر الضعف لدى فئة من الناس من أجل النصب على المواطنين تحت غطاء التسول.

إننا أمام أشكال فجة للاتجار بالبشر لا تتعرض لها التقارير الرسمية ولا الدولية الخاصة برصد أنشطة تجارة البشر رغم أنها لا تختلف في جوهرها معها في شيء.

إننا أمام قضية انتهاك خطير لحقوق الإنسان تسائل الدولة المغربية ككل وتفرض التدخل المستعجل للضرب على يد هؤلاء المتورطين في تلك الجريمة، ولإنقاذ أناس ذنبهم الوحيد أنهم ضعاف.

إن هذه القضية تتطلب تدخلا مستعجلا وليس خطابات خشبية مألوفة من القطاعات العمومية الوصية تكتفي باستعراض بعض الأرقام وتدفن الحلول في إعلانات عن حسن النوايا تسمى مخططات. فهناك تجارة بأطفال و بدوي الاحتياجات الخاصة منتشرة، وهي تتجاوز مجرد التسول الشخصي إلى استعمال قصري لأناس في وضعية ضعيفة من طرف ممتهني التسول. وهي تجارة قد تخفي ورائها جريمة منظمة تتورط في كل حالة منها شبكة من عدة أشخاص.
إن انتشار طاهرة التسول المتاجر بضعاف البشر يساءل الجميع، مواطنين وجمعيات حقوقية و مهتمة بالطفولة، ومثقفين و أحزاب و إعلام و برلمان وحكومة ودولة.

إننا جميعا شركاء في استمرار وانتشار تجارة البشر التسولية، و استمرار إكراه أناس ضعاف على العرض الاستعطافي من أجل اغتناء محترفي التسول. شركاء بالصمت و بالاستجابة لـ”الإستراتيجية التجارية” لمحترفي التسول، وبالتقاعس عن القيام بالواجب الوطني لتحرير رضع وأطفال صغار و دوي الاحتياجات الخاصة من العمل القسري علنا وبتشجيع غير مقصود من المتصدقين.

وإلى الضمائر الحية نقول: فإذا الضعاف سئلوا بأي ذنب يُستغَلون كرها وعلانية؟ بماذا ستجيب وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وبماذا سيجيب وزير الداخلية و وزير العدل والحريات؟ وبماذا سيجيب رئيس الحكومة؟ وبماذا سيجيب كل مسؤول وكل فاعل سياسي واجتماعي؟ وبماذا سيجيب كل مواطن حي؟

حسن بويخف

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال يتناول موضوع مهم بعقلية ادارية التي تجرم الموانين البسطاء وتبىءناهبي خيرات البلد.فاستغلال الاطفال في التسول ليس الا نتيجةللوضع الدي وصل اليه المتسول في هدا البلدالدي يصارع فيه من اجل البقاء بشتى الطرق.اما ان نقول انهم يجمعون الثروة فهدا كلامالمخزن الدي يجرمهم على فقرهم بدلا ان يحسن اوضاعهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق