ولئن سألتهم من خرّب التعليم ليقولن الأستاذ! بقلم ميلود عرنيبة

1411248065

يبدو أن وزارة التربية الوطنية بقيادة السيد بلمختار قد حشدت كل طاقاتها وكفاءاتها وخبرائها خلال الأشهر الأخيرة فاعتكفوا في مكاتب الدراسة وواصلوا الليل بالنهار للبحث عن السبب الحقيقي لفشل منظومة التعليم، فبذلوا جهودا مضنية ليخرجوا على الرأي العام بالنتيجة العظمى التي تعبر عن أهمية هذا البحث ونتيجته التاريخية.

نعم لقد توصلوا إلى حقيقة صادمة كانت منظومة التعليم تبحث عنها منذ زمن، وهذه الحقيقة مفادها أن سبب فشل التعليم هو تغيبات الأساتذة والأستاذات، ومما يزيد هذه الحقيقة إثارة أن رجال ونساء التعليم هؤلاء لم يتغيبوا بسبب أمراض أو شيء آخر وإنما يتغيبون بسبب متابعة دراستهم الجامعية.

يا له من اكتشاف عظيم سيمكّن تجاوزه منظومة التعليم في بلدنا الحبيب من أن تقتفي آثار مثيلاتها في أمريكا ودول أوروبا متجاوزة كل النماذج العربية، لأن وزارات التعليم في هذه البلدان حرّمت على أساتذتها متابعة دراستهم فقضت بذلك على مشكل الغياب وتمكنت من تأمين الزمن المدرسي لتلاميذها مما أفضى إلى هذا النجاح الذي حققته.

ربما كان هذا القرار سيلقى ترحيبا واسعا في حالة واحدة، وهي لو كان المجتمع المغربي غبيا، أما وإن الحقيقة غير ذلك؛ فإن هذه التهمة مفضوحة وباطلة لا محالة. فالمجتمع المغربي يعلم حق العلم بأن التعليم بالمغرب يعاني من مشاكل بنيوية عويصة تعود في الأساس إلى غياب الإرادة الحقيقية لدى المسؤولين من أجل إصلاح هذه المنظومة.

وسأستعرض مع سيادة الوزير بعض المشاكل التي بدأ بها الموسم الدراسي في المحيط القريب مني، ولا داعي لأن أسمي بالاسماء، ثم في النهاية نسأل سيادة الوزير عن سبب فشل التعليم ولنر إن كان سيجيب بأن السبب هو تغيب الأساتذة بسبب الدراسة أم تراه يغير نظرته، وهذا أمر مستبعد طبعا، مما سيقودنا إلى الوصول إلى حقيقة النية المبيتة لرجال ونساء التعليم.

بالقرب منا ثانوية تضم أزيد من ألف وخمسمئة تلميذ ثم إعفاء مديرها ولم يعوض بمدير آخر، وتوفي حارس عام للخارجية ولم يعوضه أحد، وانتقل آخر ولم يعوضه أحد، وتخلى الأستاذ المكلف بالحراسة في الداخلية ولم يعوضه أحد. فكيف لمؤسسة هذه بنيتها أن تواجه الدخول المدرسي؟ ومن كان وراء هذه الوضعية المزرية؟ إنه غياب رجال التعليم بسبب متابعة الدراسة!

جاء الأساتذة والأمل يحذوهم في التوقيع على بداية موسم منتظمة تعفيهم من السباق مع الزمن وإضافة الساعات تلوى الساعات في نهاية الموسم من أجل إكمال المقررات، لكن خاب أملهم هذا عندما لم يجدوا جداول الدراسة جاهزة. وجاء التلاميذ فرحين يحملون وثائقهم من أجل التسجيل فلم يجدوا في استقبالهم أحد، وبعد تخبط كبير تم تكليف الحارس العام الوحيد في المؤسسة بتسيير شؤون الإدارة في أجل شهر. من أين يبدأ الرجل؟ ومن يشتغل معه؟ فكان كلما سأل الجهات المسؤولة كانوا يجيبونه بالأجوبة التي أصبحت بمثابة عبارات مسكوكة يحفظها المغاربة عن ظهر قلب :” قضي، وشوف كدير، وسلّك، المهم خاص الأمور تمشي وصافي”. الله أكبر أهذه هي حلول منظومة ترفع شعارات الجودة والنجاعة والحكامة؟

فتجنّد أعوان الخدمة وأعوان الحراسة مشكورين وساعدهم بعض الأساتذة فشرعوا في استقبال التلاميذ وتسجيلهم، وانبرى المدير المكلف لمنح الشواهد المدرسية وشواهد المغادرة، وبدأت الحياة أخيرا تدب في المؤسسة، عفوا الشبه مؤسسة، فبالمناسبة هي مؤسسة صدر في حقها قرارا الإغلاق منذ السنة الماضية، وهي آيلة للسقوط، وبطبيعة الحال فمنطق المسؤولين عندنا هو أنها “ما تزالت صالحة ما دامت لم تسقط على رؤوس من بها”.

وإلى يومنا هذا وهو يوم كتابة المقال لم يلتحق التلاميذ بأقسامهم ولم تنطلق الدراسة بعد، وربما يظن القراء مع السيد الوزير أن السبب هو أن الأساتذة ذهبوا إلى الجامعات من أجل متابعة دراستهم! لا، ولكن السبب يعود إلى أن الداخلية التي تؤوي عددا هائلا من التلاميذ لم تفتح أبوابها بعد لعدم وجود من يسيّرها، وأيضا بعض دور الطالب والطالبة لم تشرع في فتح أبوابها بعد.

هذا غيض من فيض المشاكل التي تعجّ بها هذه المؤسسة، لنكتف الآن بهذا القدر ولنعرّج على حالة ثانية، وهي حالة تثير الضحك والسخرية، مؤسسة على ورق. فقد عبأ الأساتذة مطبوعات الحركة الانتقالية وطلبوا مؤسسة باسم لأحد كبار علماء المسلمين القدامى، وأغراهم الاسم، ولما جاءوا وشدوا الرحال إلى المؤسسة المعنية فوجئوا بعدم وجود ولو حجرة منها على أرض الواقع. مؤسسة أساتذتها موجودون، وكذلك تلاميذها وطاقمها الإداري ولا ينقص سوى البناية، يا للعجب! لم تنطلق الدراسة فيها بعد، وعدد كبير من التلميذات والتلاميذ مهددون بالانقطاع والهدر، وأساتذتها عاطلون عن العمل، كل هذا بسبب ماذا؟ سيجيبكم الوزير ويقول لكم : ذلك بسبب غياب الأساتذة الذين ذهبوا إلى الجامعات!

لنقم بعملية حسابية بسيطة، نحن اليوم في تاريخ 20 شتنبر والدراسة حسبب مقرر سيادة الوزير قد ابتدأت يوم   11 شتنبر  مما يعني أن مدة الهدر الزمني هي تسعة أيام نضربها في معدل ست ساعات فقط فتمنحنا ما يعادل 54 ساعة لكل تلميذ نضربها في عدد تلاميذ المؤسسة الأولى أي حوالي 1500 تلميذ، فكم ستكون النتيجة. لا شك أنها مهولة. لكن من المسؤول؟ طبعا هم الأساتذة الذين تركوا التلاميذ وتوجهوا للجامعات!

يا له من منطق فاسد لا يفسره إلا أمر واحد ووحيد وهو وجود حقد دفين لدى المتحملين للمسؤولية في وزارة التربية الوطنية في الحكومة الحالية، والذين يريدون الإجهاز على مكتسبات الشغيلة التعليمية التي بني هذا الوطن على كاهلها. والتي تنخرط طواعية ودون قيد أو شرط في تأهيل المواطن الصالح، وخلق سيرورة التنمية المستدامة، وتحقيق الأمن والاستقرار، بالرغم من ظروف العاملة المزرية، والأجور الزهيدة التي تتلقاها هذه الفئة مقارنة مع قطاعات أخرى لا يقوم موظفوها حتى بربع الجهد الذي يبذله رجال التعليم.

لقد كنا نسمع عن حكام مزاجيين يقودون بعض الدول العربية وقد أوقعوها بأمزجتهم المواقع والمهالك، وها نحن اليوم صرنا نسمع بوجود وزراء مزاجيين في حكومة وعدت الشعب المغربي بالكثير، ولم تف، ولم يلق منها المغاربة إلا الويلات والأزمات، والانتكاسة تلوى الأخرى. إنه لقرار مزاجي ذلك الذي يمنع رجال التعليم من متابعة دراستهم الجامعية، لم يحسب أي حساب للعواقب التي قد يخلفها.

لقد كان على سيادة الوزير أن يسأل نفسه لم يذهب الأساتذة للجامعة؟ بذل أن يسرع إلى منعهم. ربما كان سيقول في نفسه إنهم يذهبون من أجل نيل الشواهد للترقي بها في السلاليم. لكنه سيجد الجواب في قرار أكثر حيفا وهو من بركات هذه الحكومة المباركة وهو منع الترقي بالشهادة. وإذا كان لديه أقل قدر من الموضوعية فسيجد بأن السبب هو السياسة الفاشلة لوزارته في معالجة قضية التكوين المستمر.

لقد أصبح التكوين المستمر ضرورة ملحة واستراتيجية تنهجها الدول التي تحترم شعوبها وموظفيها، فلا تقدم من دون تكوين، فمستجدات العالم في كل المجالات تتلاحق بشكل جنوني، والذي لا يواكبها يتأخر من دون الشك. ووزارتنا المحترمة قد أقدمت على تغيير المناهج والمقررات ولم تسطر تكوينا بموازاة ذلك، وانتقلت من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الكفايات إلى بيداغوجيا الإدماج إلى بيداغوجيا المشروع، وكان كل ذلك تنظيرا في تنظير لم يواكبه تكوين مستمر يطور من خلاله الأساتذة كفاءاتهم ومهاراتهم.

ولما أحس الأساتذة بخطورة ما يُبيّت لهم هرعوا إلى الجامعات لتطوير مستوياتهم المعرفية والمهارية، وتفوقوا في جميع الشعب والمسالك التي طرقوها، وذلك بشهادة إدارات الكليات وأساتذتها. وقد غاظ هذا الأمر بعض الذين يكنّون الحقد لرجال ونساء التعليم فسارعوا إلى منعهم من هذا المتنفس الوحيد الذي يعود بالنفع أولا على منظومة التربية.

فيا للعجب كيف تدّعي حكومة أنها تريد تطوير البلاد، وهي تحارب دعامة التطور الأولى وهي العلم. ألا يعلم هؤلاء أنه لا سبيل إلى الرقي والازدهار إلا بالعلم، ولن تفلح أمة تمنع رجالها من التعلم بذرائع واهية!

وفي الأخير هذه كلمة إلى جميع الأستاذات والأساتذة، تذكروا أن الحقوق في وطني تُنتزع ولا تُهدى، وأن هذه الحكومة إنما تختبركم فكلما مررت عليكم قرارا جائرا وسكتم، جاءت بآخر أكثر جورا، وسيستمر الأمر هكذا إلى أن تفقدوا كل مكتسباتكم وحقوقكم، ولربما ستفاجئكم هذه الحكومة المحترمة بقرار يقضي بأداء أجور لكم بحسب الأيام والساعات التي تشتغلون فيها فعليا فقط، وحرمانكم من أيام العطل والأعياد، فمن يدري فلعل هذا الإجراء يكون الحكمة الناجحة لمواجهة الأزمة من طرف حكومة لا تتقن إلا النيل من الفقراء والطبقة المتوسطة!

بقلم ميلود عرنيبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق