الاتصال ودوره في إنجاح عملية التحكيم

image

يعتبر المحكم رجل الاتصال الاول ، نظرا لدوره المهم في حل النزاعات وتسويتها ، سواءا من اجل الصلح والتوافق او من اجل اصدار احكام مبنية على العدالة للحسم في الخلافات .ويعتبر الاتصال الى جانب الثقافة القانونية من اهم ما يمكن ان يتسلح به المحكم قبل ممارسة مهنته كمحكم ناجح وفعال فماهو الاتصال وماهو دوره في نجاح عملية التحكيم ؟
ان الاتصال عملية بموجبها يقوم شخص بنقل افكار او معاني او معلومات على شكل رسائل كتابية او شفوية مصاحبة بتعبيرات الوجه و لغة الجسم وعبر وسيلة اتصال ،تنقل هذه الافكار الى شخص آخر وبدوره يقوم بالرد على هذه الرسالة حسب فهمه لها .
يتاثر الشخص المرسل بطريقة فهمه و حكمه على الرسالة و كذلك في خبرته على نقلها الى المستقبل ، في حين ان المستقبل يتاثر في فهمه على محتوى الرسالة بحالته النفسية ومدى التطابق في الاطار الفكري بينه و بين المرسل، لذا فان من الشروط التي يجب توفرها في الرسالة لكي يتم فهمها هي (الوضوح ، الاختصار ،السهولة ، الذوق ، اللياقة).
اولا:العناصر الاساسية للاتصال.
1- المرسل : وهو الشخص الذي يمتلك فكرة او معلومات يريد نقلها الى شخص آخر من خلال وسيلة اتصال .
2- الرسالة : تتضمن تعبيرا عن الفكرة التي يريد المرسل نقلهاعلى هيئة عبارات و رموز و ار قام و تعبيرات الوجه و الجسم و اليدين.
3- قناة الرسالة : وهي الوسيلة التي من خلالها تتم عملية الاتصال.
4- المستقبل : الشخص الموجه له الرسالة ويقوم بدوره بالرد على الرسالة.
5- التغذية الراجعة : وهو رد المستقبل للرسالة وتتاثر بمدى فهم المستقبل للرسالة.

ثانيا :الجوانب الاساسية المؤثرة على عملية الاتصال
1- اللغة: اللغة المستخدمة يجب ان تلائم جميع المشاركين في عملية الاتصال بحيث ان تكون سهلة بسيطة عديمة التعقيد ولا تحتمل معانيها اكثر من تفسير.
2- الجانب الثقافي و الاجتماعي : يجب مراعاة العادات و التقاليد السائدة في المجتمع ، ونبتعد عن الاستخدام السيء لبعض المصطلحات ، ونراعي ما يتعارف عليه الافراد الذين نتصل بهم.
الجانب الانساني : توخي الصدق والاخلاص عند ممارسة الاتصال حيث نراعي الامانة في تسلم و تسليم رسالة دون نقص او زيادة.
ثالثا :مصفوفة الاتصال
نقصد بمصفوفة الاتصال الحالات التي توضح موقف كل من المرسل و المستقبل من عملية الاتصال حيث كل منهما قد يعتبر نفسه محقا او قد يعترف بخطأه وبذلك تتكون لنا مصفوفة فيها اربعة حالات وهي:
أنا على حق و أنت على حق: تمثل حالة النضوج و الثقة المتبادلة بين المرسل و المستقبل.
أنا على حق و انت لست على حق: المرسل لا يثق في الاخرين.
أنا لست على حق و أنت على حق: المرسل غير واثق من قدراته ويعتقد ان الآخرون افضل منه.
أنا لست على حق و انت لست على حق: المرسل و المستقبل لا يثق كل منهم بالاخر وهو موقف يخيم عليه اليأس.
رابعا :متطلبات الاتصال الفعال
كل اتصال لكي يكون جيدا فانه يتطلب من المرسل و المستقبل ان يلتزما ببعض الامور اهمها :
أ‌- المرسل عليه ان
– يحدد له هدفا
– ينظم افكاره بوضح و بشكل مثير
– يتذكر هدفه الرئيسي
– يكن متجها نحو المستقبل ويدرك مدى اهتمامه و المامه بالموضوع
– يتجنب ان يصبح اوتوقراطيا
– يستخدم حقائق و ادلة كافية
– ياخذ في اعتباره تحيزات واتجاهات المستقبل ومدى قدرته على الفهم
– يكن متحمسا في عرض الموضوع
– اذا كان يريدان يقترح تغييرا ما فيذكر السبب ويكن واضحا ويتكلم ببطء
– يستخدم لغة يفهمها المستقبل
– دائما ينظر الى المستقبل في عينيه
ب‌- المستقبل عليه ان
– يتوقع اولا موقف و رسالة المرسل
– يبحث عن الافكار الرئيسية للمرسل
– يحلل هدف المرسل
– يكن متجها نحو المرسل
– ياخذ بالاعتبار احقية المرسل في التحدث باوتوقراطية حسب موقعه
– يقوم الحقائق التي يذكرها المرسل ويحاول الربط بين الادلة و الاستنتاجات
– يتجنب تحيزاته هو يحاول فهم موقف المرسل
– يكن منتبها و يقظا
– يكن مفتوح الذهن للافكار الجديدة يتقدم باقتراحاته ويفكر قبل ان يجيب
– يحلل اللغة في اطار ما تعنيه المرسل
– دائما ينظر الى المرسل في عينيه
خامسا :معوقات الاتصال الفعال
بالرغم من صعوبة التخلص من هذه المعوقات الا ان التقليل منها ما امكن يسهل عملية الاتصال و تزيد من فعاليتها ،ومن اشد هذه المعوقات :
1- اصدار الاحكام قبل الالمام بقدر كبير من المعلومات .
كثيرا ما يكون التسرع في التقييم مثار شكوى الكثير منا، اذ ان التسرع يؤدي الى اصدار التعليقات غير المفيدة والاحكام غير الناضجة لذا فعلينا :-
‌أ- الالتزام بمبدأ التروي في اصدار الاحكام والاحتفاظ باستنتاجاتنا الى مناقشة جميع الافكار.
‌ب- عدم التواني في توجيه الاسئلة الاستيضاحية.
‌ج- التاكد من معاني الحركات التعبيرية التي قد تلاحظها.
‌د- التاكد من اننا قد استوعبنا الافكار كما يراها المقابل وليس كما نفهمها نحن.
2- العبارات التقريرية و التخصيصية.
العبارات التقريرية هي التي تفيد التقرير و الحسم ،مثل هذه العبارات تدفع الآخرين الى اتخاذ موقف الدفاع والمقاومة كأن تقول مثلا (( دائما لاتفي بوعودك)) بهذا الشكل فانك تكون بموقف المهاجم فيضطر الى الدفاع عن نفسه وسيجتهد ليبين الكثير من المواقف التي لم يتاخر فيها فتضيع الرسالة الاساسية التي تود ان توصلها اليه ، لذا فعلينا :
‌أ- تحاشي مثل هذه العبارات التقريرية كلما امكن.
‌ب- استخدام العبارات التقريرية خلال التعبير عما تريد كأن تقول(( يبدو لي اني لن اصل معك الى حل جيد )) أو ان تقول ((يبدو انك انسان لاتقبل الرأي الاخر )) مثل هذه العبارات توصل له الرسالة الاساسية ولا يتخذ منها موقف المدافع.
‌ج- الاستشهاد ببعض المواقف اتي تؤيد ملاحظاتك التقريرية.
3- مقاطعة الآخرين
مقاطعة ا|لاخرين تشل تفكيرهم وتسبب لهم الارتباك وبالتالي تكون النتيجة قليلا من المعلومات و كثير من الضوضاء ،والاخطر من ذلك هو الاثر النفسي الذي ينتاب الاخرين ، فهي تعني لهم عدم الاكتراث بهم ودم الاهتمام بافكارهم.
لذا فعلينا ان نتجنب مقاطعة الاخرين ونضع تركيزنا على ما يقولون ، وننصت لهم جيدا لكي نلخص وجهة نظرهم قبل ان ندلي بما نريد ، وكذلك علينا ان تكون طريقة جلوسنا مستفزة بحيث توحي اننا متحفزون للرد ، ايضا نقوم بتوجيه بعض الاسئلة الاستيضاحية حتى نبدو راغبين في الاستماع لافكار الغير ومتفهمين لوجه نظرهم.
4- الغضب عند مقاطعة الاخرين لنا.
وهو ان تصدر منا افعال و اقوال عند تعرضنا للمقاطعة و الاستسفار وهذه تنتج عنها تقليل فاعلية الاتصالات ، وبما انه من الطبيعي ان نغضب اذا ما قوطعنا لذا فعلينا ننفس عن غضبنا باستخدام التعليقات غير المباشرة مثل ( لاتقلق بشان تلك المسالة اعتقد انها ستكون اكثر وضوحا عندما انتهي من الحديث ) وغيرها من التعليقات غير المباشرة التي تمكننا من معالجة المقاطعة بطريقة اقل هجومية ، و يمكنك ايضا ان تستخدم نغمة هادئة و استفسارية عندما تستوضح مدى فهم الطرف الاخر ،وكذلك نستخدم التلخيص و اعادة الصياغة حتى نزيد من فهمهم ، والاهم من كل ذلك و حتى نتحاشى المقاطعات اصلا نتوقف عن الحديث بين الفكرة و الاخرى وننتظر برهة ونسال عن مدى فهم ووضوح الفكرة.
5- الاستئثار بالحديث
من المهم جدا ان نترك للاخرين فرصة الحديث ،فلو اننا امطرناهم بوابل من الحديث والجمل المتتالية فاننا اضافة الى سلبهم حق الكلام نشعرهم بعدم الاهتمام بما سيقولون ،ويجب ان لا ننسى اننا بحاجة الى افكار الغير ومعلوماتهم و خبراتهم كي نتوصل الى قرارات صائبة ، لذا فينبغي علينا :
‌أ- لا نعتلي منبر الحديث لوحدنا.
‌ب- نستخدم الاسئلة المفتوحة كي نشجع الاخرين على الحديث.
‌ج- نركز تعليقاتنا و لا نكرر انفسنا.
‌د- الاستعانة بالامثلة و الحكم الموجزة التي تفيد في توضيح ما نريد.
6- اسئلة الاستدراج
وهي الاسئلة التي لا تترك مجال للاختيار وبذلك تخلق مواقف اضطرارية تشعر مستقبليها بالتآمر و الغضب ، ان مثل هذه الاسئلة تؤدي الى فقدان ثقة الاخرين وعدم اتفاقهم معنا فيما نبديه من اراء و حلول ومن امثلة تلك الاسئلة (اعتقد انك لا تظن بي ذلك ؟، لقد كانت غلطتك اليس كذلك ؟ ) لذا فيجب علينا :
‌أ- نخبر ما نريد بعبارات صريحة.
‌ب- لا نكثر من الاسئلة المباشرة بل لتكن اسئلتنا مفتوحة.
‌ج- لا نطلب موافقة الاخرين التلقائية على ما نطرحه من قضايا.
‌د- نستعين بمهاراتنا في الاستماع جيدا.
7- التهكم و السخرية
كثيرا ما يستخدم البعض منا تعليقات التي تحمل في مضمونها الاستهزاء بافكار او ذكاء الاخرين ،وقد نعتقد ان هذه التعليقات عابرة و لا غبار عليها ما دامت تمر في موجة من الضحك ،لكن ينبغي ان نعرف ان هذه التعليقات الساخرة تقطع الطريق على وصول الرسالة الى المستقبل بالشكل المطلوب و قد تصل مشوهة اصلا لذا فلا بد :
‌أ- ان نتجنب السخرية تماما.
‌ب- نعبر عما نريد بعبارات بسيطة وبكلمات مباشرة.
‌ج- نضع انفسنا مكا الطرف الاخر ونفكر فيما يمكن ان يكون عليه شعورنا.
‌د- نسال انفسنا هل يمكن ان نصوغ ملاحظاتنا في شكل اسئلة بعيدة عن السخرية.
‌ه- نحلل محتويات الطرفة قبل طرحها فاذا كانت تساعد على ايصال الرسالة و توضح المعنى او انها فقط للدعابة فليس هناك مشكلة بشرط ان لا نسوقها مجرد السخرية من الشخص المقابل.
8- التركيز على الاخطاء :لانركز على الاخطاء ونقوم بتصيدها ،ونهمل موضوع النقاش
9- المجادلة:اجتنب الجدال العقيم الذي لا يؤدي الى اية نتيجة تذكر
10- ممارسات بعض العادات المعوقة
بعد ان تعرفنا على معوقات الاتصال الجيد فاننا نتوصل الى ان على المرسل ان يقوم بالعديد من الامور اهمها :-
· الانتباه للحالة النفسية للمستقبل.
· تنمية مهارات الحديث لدينا من حيث مضمون الحديث والوصت المناسب وغير ذلك.
· مراعاة الفروق الفردية بين الافراد وان نخاطب الناس على قدر عقولهم وان نختار الوقت المناسب للاتصال.
· استخدام الالفاظ البسيطة التي تحمل معان واضحة بعيدة عن التهكم و السخرية وبلغة مفعومة.
· واخيرا اقتران اقوالنا بافعالنا.
· مرعاة في الرسالة (الوضوح ، التكامل ،الايجاز ،التحديد ، الصحة و الدقة).
· ان تكون وسيلة الاتصال مناسبة غير قابلة لتشويه الرسالة قدر المستطاع.
وتكمن اهمية الاتصال في العملية التحكيمية بكون ان المحكم يجب عليه ان يكون رجل اتصال فعال بالدرجة الاولى من اجل فض النزاعات القائمة او كسب ثقة المتعاقدين قبل نشوء النزاع ،فلا يمكن له ان يقنع الطرفين المتنازعين بوجهة نظره لفض النزاع ، الا اذا كان انسانا ملما بقواعد التواصل والاتصال،وكل خطأ في الاتصال قد يعثر من دور المحكم ،كما يمكن أي يؤثر في حياده وعدله تجاه المحتكمين .ونرى ان ه من الازم ان يخضع المحكم الى مجموعة من التداريب المكثفة من اجل امتلاك القدرة على الاتصال والتواصل الفعال رغبة في احقاق العدالة ، والتدخل بشكل انجع في فض النزاعات ، وجعل المحتكمين في توافق تام .
بقلم المستشار والمدرب الدولي / جامع مرزوك ـ المنسق العام لنادي قضاة التحكيم الدولي بالمغرب ـ رئيس جمعيه نجاح للتنمية البشرية بالمغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق