تافراوت: أرضية الندوة الفكرية الوطنية حول ”ءيمازيغن والمشروع السياسي”

تافراوت

في إطار الأنشطة الثقافية الفنية التي نظمتهاجمعية محمد خير الدين للثقافة والتنمية

، السبت الماضي 17 يناير 2015 بتافراوت، والتي تدخل في سياق تخليدها لعيد “ءيض ن ءيناير” لهذه السنة 2965 وتحت شعار: “من أجل إقرار ءيض نءيناير عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها” نظمت الجمعية ندوة فكرية وطنية هامةتحت عنوان: “ءيمازيغن والمشروع السياسي أطرها كل من الأستاذ رشيد الحاحي والأستاذ عبدالعزيز ياسين.

 

وإليكم أرضية الندوة:

 

 

جمعية محمد خير الدين للثقافة والتنمية

المكتب المركزي _ تافراوت

 

أرضية الندوة الفكرية حول : “ءيمازيغن والمشروع السياسي

 

     قطعت القضية الأمازيغية أو قضية ءيمازيغن بالمغرب أشواطا ومراحل تاريخية عبر امتدادها المعاصر الذي يعود لعدة عقود خلت. حيث ظهرت أولى مؤشرات وتجليات هذه القضية السياسية بامتياز عقب استقلال المغرب التدريجي عن القوى الإستعمارية الفرنسية والإسبانية، وكان هذا بسبب تبني الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد ،والتي تعتبر جلها امتدادا لما يسمى ب”الحركة الوطنية”،التي اكتفت بسلاح القلم في مواجهتها للإستعمار،”بسبب تبنيها” لشعار “العروبة والإسلام” هوية وفكرا وعقيدة وأساسا لبناء الدولة والمؤسسات،بمباركة من المؤسسة الملكية ومن المخزن الذراع الأخطبوطي الحامي لها. وذلك في إقصاء سياسي وإيديولوجي واضحين للبعد الأصلي والجوهري الأمازيغي في الهوية الوطنية المغربية، وما تلى ذلك بالنتيجة من مصادرة شاملة لحقوق ءيمازيغن السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية اللغوية.

وعلى الرغم من أن الأمازيغ فطنوا مبكرا لهذا الإقصاء السياسي والإيديولوجي، واحتجوا ضده بمختلف الأشكال وضد السطو على نضالاتهم ومكتسباتهم وثمار ثورتهم المسلحة الباسلة ضد المحتلين الفرنسي والإسباني (تمرد عدي أوبيهي، تمرد كوكليز الشهير ب”شيخ العرب”، وانتفاضة الريف،نوذجا). إلا أن مساعيهم نحو التحرر والإنعتاق والإعتراف بهم والإقرار بحقوقهم تم إجهاضها بقوة الحديد والنار، والإغتيالات والإعتقالات وشتى أنواع الحصار والتضييق والإقصاء.

في السنوات الأخيرة من عقد الستينيات من القرن الماضي، بدأ مجموعة من الشباب الأمازيغي المتعلم والمثقف في أخذ زمام المبادرة واستلام مشعل المقاومة الأمازيغية، والتي أخذت طابعا ثقافيا هوياتيا ولو بشكل محتشم للغاية بسبب طبيعة النظام المغربي آنذاك، و الذي كانت سماتها البارزة الإستبداد والتسلط وقمع المعارضين السياسيين الذين تختلف توجهاتهم وقناعاتهم مع توجهات النظام، وتصفيتهم الجسدية وترهيبهم واعتقالهم، وأيضا محاصرة المثقفين أو تدجينهم من أجل خدمة أجندة النظام والتطبيل لسياساته والدعاية لها.

هكذا وبسبب كل ذلك وعوامل أخرى أخذت أولى التحركات طابع الإهتمام بالفلكلور والثراث الوطني وما يسمى بالثقافة الشعبية من خلال التعريف بالموروث الشفهي والشعري والأدبي والفني الشعبي أو “الأمازيغي” كما المقصود به، وذلك عبر إنجاز أبحاث وصياغة مقالات منشورة في بعض الصحف أو إصدار أولى الدواوين الشعرية باللغة الأمازيغية.

بعد ذلك بدأت هذه الجهود تنسق بين المهتمين بهذا الشأن فبدأ الإنتظام عبر تأسيس جمعيات ثقافية مدنية مستقلة كانت أولاها جمعية “قدماء تلاميذ أزرو” وجمعية “الإنطلاقة الثقافية” بالناظور ثم الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي “أمريك” والتي أسست كلها في ستينيات القرن الماضي ، فالجمعية الثقافية لسوس والجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية التي تحول إسمها فيما بعد إلى “منظمة تاماينوت” اللتان رأتا النور باكتمال عقد السبعينيات.

مع نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات عرفت هذه الدينامية منعطفا هاما نتيجة ثورة “تافسوت إيمازيغن” أو الربيع الأمازيغي التي شهدتها منطقة القبايل بالجزائر الشقيقة يوم 20 أبريل 1980 ،والتي تم قمعها بالرصاص الحي والأسلحة والهراوات، وهو الأمر الذي أرخى بظلاله على المستوى الوطني حيث تداعى مجموعة من المثقفين إلى تأسيس جمعية “الجامعة الصيفية” بأكادير، وحضروا لأنشطتها العلمية الأكاديمية في صيف نفس السنة “1980” والتي كان مصيرها هو المنع من طرف السلطات المغربية.

 

ومع توالي تأسيس جمعيات جديدة تعنى باللغة والثقافة الأمازيغيتين تم تبني “ميثاق أكادير” سنة 1991 من طرف هذه الأخيرة، وهو الميثاق الذي حمل مجموعة من المطالب الثقافية والسياسية المرفوعة لمؤسسات الدولة، كان أهمها مطلب الإعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور المغربي، تلاه سنوات قليلة بعد ذلك تأسيس المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الثقافية الأمازيغية بالمغرب “السي إن سي” والذي رفع بدوره كهيئة عرفية جماعية أمازيغية مطالب ومذكرات ورسائل إلى الهيئات الحاكمة منها الديوان الملكي كان من ابرز ما تطرقت إليه مطلب إقرار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور إلى جانب اللغة العربية.

توالت الأحداث والتطورات والتي يعرفها كل متتبع للشأن الأمازيغي ببلادنا ، فشل التنسيق الوطني بين الإطارات الأمازيغية رغم تحول مجلس التنسيق الوطني إلى كنفدرالية “تاضا” الوطنية ،حتى ولو بعد تسجيل انسحاب مجموعة من الجمعيات التي تعارض وتخشى من الحديث عن مطالب سياسية أمازيغية من التنسيق الوطني، وهي الكنفدرالية التي لم تذهب بعيدا وراوحت عتبة الإعلان عن تأسيسها. فيما عملت الجمعيات المنسحبة من التنسيق الوطني على تعزيز التنسيق الجهوي فتأسست توالا مجموعة من المجالس والهيئات التنسيقية الجهوية كان أولاها كنفدرالية الجمعيات الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب ،ف”تامونت ن ءيفوس” بسوس الكبير ، وبعدها بسنوات تنسيقية “أميافا” بوسط المغرب، تم تنسيقية “أمياواي” التي حاولت إعادة اللحمة للتنسيق الأمازيغي في بعده الوطني، تم تنسيقيات أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها كلها.

في الهزيع الأخير من التسعينيات بدأت الحركة الجمعوية الأمازيغية تتحول شيئا فشيئا إلى حركة احتجاجية عبر تنظيم مجموعة من الوقفات والتلويح بمسيرة الحقوق والمطالب الأمازيغية ذات الصفة الوطنية “تاوادا.” و على إثر وفاة الملك الراحل الحسن الثاني وبداية ما يسمى ب”العهد الجديد”، برز بيان فاتح مارس 2000، أو بيان من أجل الإعتراف بأمازيغية المغرب للأستاذ محمد شفيق، كحدث جد هام في حينه، التفت حوله الكثير من النخب الامازيغية من خلال توقيعه ومحاولة استثماره سياسيا عبر تأسيس حركة سياسية أو حزب سياسي كما دفع بذلك البعض، فتم خلق هيئة سميت ب”لجنة البيان الأمازيغي” لكن الأخيرة قوبلت بالتشويش من بعض المندسين والدوائر المخزنية، وكان كلما تمخض عن هذه اللجنة وهذا المسار هو الكثير من الصراعات والخلافات بين النخب الأمازيغية لازال مخلفاتها وتأثيراتها قائمة حتى اليوم داخل الساحة الأمازيغية، وكان كل ما تمخض في الأخير عن هذا الحراك هو تأسيس جمعية قيل آنذاك أن لها صبغة سياسية وهي “جمعية أمزداي أنامور” وهي الجمعية التي ولدت جنينا ميتا.

إلى ذلك واصل المقتنعون بحق الأمازيغ في التنظيم السياسي مساعيهم لتحقيق ذلك، وتجدر الإشارة للتاريخ أن الأستاذ حسن ءيد بلقاسم كان ضمن الأوائل في هذا المنحى حيث كان السباق لطرح فكرة العمل بجناحين ثقافي وسياسي منذ حوالي سنة 1997، وكان طرحه ذاك من الأسباب التي فجرت التنسيق الوطني كما أسلفنا في السابق، وهنا نستحضر كيف تم إجهاض تنظيم ندوة المعمورة الوطنية التي اقترحتها جمعيات منضوية تحت لواء المجلس الوطني للتنسيق من طرف المعارضين لذلك الطرح سنة 1997 أو 1998 .وقد واصل السيد ءيد بلقاسم محاولاته بعد ذلك التاريخ فأعلن عن انتهاءه من المرحلة الأولى من تأسيس حزبه الذي اختار له إسم “الحزب الفيدرالي المغربي” في النصف الأخير من العشرية الأولى من القرن الحالي، غير أن هذا التأسيس لم يكن له من وقع يذكر في الساحة الوطنية ولا يزال الغموض يلف واقع هذا الحزب ومستقبله.

بيد أن الأستاذ أحمد الدغرني فاجأ الجميع بجمعه ثلة من النخب والمثقفين والمناضلين الشباب، واستطاع رفقتهم تأسيس أول حزب سياسي أمازيغي في التاريخ وهو “الحزب الديموقراطي الأمازيغي المغربي” بتاريخ 31 يوليوز 2005 بالعاصمة الرباط، وهو الحزب الذي استطاع ان ينتزع اعتراف وترخيص الدولة قبل أن تقرر الأخيرة الإنقلاب عليه وتعلن حضره بقرار سياسي سنوات قليلة بعد تأسيسه “2008“.

بموازاة مع ذلك ظهر في الساحة الوطنية تيار آخر ذو حمولة فكرية أمازيغية عصرية ومتجددة، وهو ما بات يعرف ب”الخيار الأمازيغي”، ضمن مؤسسيه وقياداته بعض المنسحبين السبعة من “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” أبرزهم المفكر محمد بودهان والأستاذ “علي الخداوي” والأستاذ “محمد أجعجاع”. هذا التيار الذي يضع ضمن المسارات المطروحة فوق طاولة آفاقه المستقبلية الإنتظام في حزب سياسي حسب ما يرشح من معطيات من مصادر مقربة من هذا التيار.

من جانب آخر سعى ويسعى الأستاذ أحمد أرحموش منذ ما يقارب عقد من الزمن رفقة ثلة من النخب أبرزهم الأستاذ أحمد أسرموح إلى تأسيس حزب سياسي تمت تسميته ب “حزب الحرية والديموقراطية”، من خلال ما أشارت إليه أدبياته المنشورة للرأي العام، حيث أصدر جملة من البلاغات التي انبثقت عن لقاءات تحضيرية عديدة عقدها، غير أن هذا المشروع السياسي ،الذي انتظر الرأي العام بكثير من الترقب اكتماله وإعلان ميلاده، لم ير النور بعد لأسباب تبقى مجهولة ولا يدري بكنهها إلا القائمون عليه والحاضنين له. ثلة أخرى من النشطاء الأمازيغ ما فتئت تعمل طيلة السنتين الماضيتين على عقد عدة لقاءات واجتماعات وطنية توجت بالإعلان عن إنشاء ما أصبح يعرف ب”التنسيق الوطني الأمازيغي”، ويعتبر الأستاذ رشيد الحاحي و خالد الزراري من أبرز المنتمين إليه ومن تقود فعالياته التي تروم إلى توحيد جهود مكونات الحركة الأمازيغية في أفق خلق جبهة أمازيغية وطنية وموحدة، كما تقول الأدبيات الصادرة عن هؤلاء، والغرض كما يبدو في نهاية المطاف هو خلق كيان سياسي قادر على تمثيل الأمازيغ والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم، غير أن آفاق “التنسيق الوطني الأمازيغي” هذا لاتزال بدورها غامضة وغير واضحة حتى الآن.

هذا جرد تاريخي مقتضب للمراحل التي قطعها تكون ونضج النخب الأمازيغية فيما يتصل بوعيهم بكون الأمازيغية قضية سياسية بالدرجة الأولى، وباقتناعهم بأن مصادرة حقوق إيمازيغن المختلفة هي نتاج قرارات سياسية، ولن تنزع وتفرض إلا بقرارات سياسية بدورها، وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا بانتزاع إيمازيغن حقهم في التشكيل السياسي والتنظيم الحزبي والمشاركة في تقاسم السلطة والثروة والقيم مع المكونات الفكرية و الإيديولوجية السياسية الأخرى التي تم السماح لها بالمشاركة في اللعبة السياسية وفي السلطة. إنه السبيل الواقعي في هذه المرحلة وفي المدى المتوسط بل والوحيد الكفيل بتحقيق مكتسبات حقيقية لصالح إيمازيغن على كافة المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية اللغوية. لأن الرهان على ما يسميه البعض التعاون مع “الحلفاء” الحزبيين والديموقراطيين أثبت إفلاسه وفشله الذريع.

فما هي المعيقات التي تقف في وجه إيمازيغن بشكل عام في سبيل سعيهم إلى الإنخراط في اللعبة السياسية الوطنية، والقطع مع هذا الهدر الزمني والسياسي الذي يعيشونه ويتخبطون في متاهاته؟؟

هل يمتلك الأمازيغ تصورا ومشروعا مجتمعيا كاملا وبديلا ؟؟

هل اكتمل حقيقة الوعي والإقتناع لديهم بأن قضية إيمازيغن في المغرب هي قضية سياسية بامتياز، ولا يمكن حلها إلا بالمشاركة السياسية للأمازيغ في أفق انتزاع مكاسب سياسية لصالحها ولو عن طريق التدرج؟؟

أين وصلت التجارب الخمسة التي تحدثنا عنها أعلاه، ما واقعها الحالي الراهن وما مستقبلها المفترض أو المتوقع؟؟

ماهي الأسباب الحقيقية التي تحول دون توحيد الجهود والعمل في هذا المضمار؟؟ هل هي أزمة ثقة بين هذه التيارات والأحزاب والحركات؟؟

أم هي اختلافات عميقة في الرؤى والتصورات والإستراتيجيات؟؟

أم هي نتاج خلافات شخصية وصراع زعامات؟؟

هل هي أزمة فكر وضبابيته وندرة المفكرين المنظرين ،وهو ما لا يساعد على إضاءة طريق ومسار الفاعلين السياسيين المفترضين؟؟

أم أن الوضع هذا له مسببات خارجية كتشويش الدوائر المخزنية عن طريق عدة أساليب منها زرع المتلصصين والمندسين داخل البيوت الداخلية لهذه الحركات السياسية الأمازيغية؟؟

هل الأمر بسبب القوانين التي تحضر على الأمازيغ من ذوي القناعات الفكرية والإيديولوجية الأمازيغية الإنتظام في الجمعيات والأحزاب السياسية؟؟

أم أن الأمر من نتاج أعداء مفترضين آخرين؟؟

أم أن الأمر شأن ذاتي أمازيغي محض بسبب عدم اكتمال النضج الكافي ،والتردد في تبني الخيار النضالي السياسي الأمازيغي؟؟

إلى متى سيظل الأمازيغ خارج المطابخ السياسية ويكتفون بالإنتظارية والتباكي والإستجداء ،ورفع المظالم والمذكرات والتوصيات والمطالب لخصومهم السياسيين والفكريين والإيديولوجيين؟؟ أسئلة وغيرها ومحاور وزوايا أخرى نطرحها للتداول وللنقاش في هذه الندوة الفكرية الهامة ،التي بادرت جمعية محمد خير الدين للثقافة والتنمية إلى تنظيمها اليوم بتافراوت،لعلنا نجد في عروض السادة الأساتذة المشاركين معنا، مشكورين، أجوبة تطفي حرقتها وتشفي غليل كل السائلين والمهتمين بالشأن السياسي الأمازيغي ببلادنا، ولعل مداخلات السادة الحضور تساعد بدورها في تفتيت هذه الضبابية القاتمة التي تحوم حول هذه القضية الهامة.

 

عن جمعية محمد خير الدين

المكتب المركزي    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق