صفحات من كتاب ..

إبراهيم آيت ابراهيم

صفحات من كتاب ..

بقلم : ابراهيم ايت ابراهيم
بحركة ثابتة وواثقة تحرك في اتجاهنا ونحن نحتسي كأس شاي على حافة واد تودغى، كان يلبس جلبابا بنيا مرقعا بالأبيض والأسود وعلى رأسه المليء بالشيب رزة قديمة تلاشت الوانها من آثار الشمس الحارقة، أثار انتباهنا قبل أن يصل إلينا.
وصل إلى المكان فألقى علينا التحية وكله ثقة فتشجعنا بدورنا وقمنا برد التحية. عرضنا عليه كأس شاي فقبله بكل تواضع .. جلس على هامش الحصير البلاستيكي الذي افترشناه فوق بقايا الرمال التي خلفها فيضان الوادي ..
سألناه عن أحوال الصحة فأجاب بكل تفاؤل أن كل الامور علي ما يرام مادامت بيد الله. احتسى كأس الشاي الاول وعن لا وعي أخذ من جيبه سيجارة وأشعلها وبدأ يروي عطشه إلى الدخان وعيناه تظهران أحاسيس متناقضة بين الالم والأمل .. سألناه مرة أخرى وما كنا لنفعل ذلك، ماذا تعمل ؟ فأجابنا بأنه يجمع النفايات وبقايا الأشياء المستعملة من حديد وألومنيوم وبلاستيك وحتى الكرتون، بدا الحديث شيقا ولم ينتهي هنا وكانت فرصة له لأخذ النفس شيئا ما قبل اتمام المسار الطويل ..
بسرعة أنهى السيجارة الاولى وأشعل الثانية وملامح وجهه توحي الى راحة نفسية نسبية، بدأ يتحدث و هو مرتاح، فأخذنا في رحلة تاريخية مع حياته وبعض ما طبع في ذاكرته،
حياته جولة وترحال، ولم يتغير الحال رغم مرور الاحوال والاجيال، يحمل والده مسؤولية أميته ويتمنى أن يدرس ولو لشهر أو شهرين كي يميز اللافتات والعلامات، يحلم بالتواصل مع الناس بأصنافهم ومستوياتهم .. بدأ يدخن وهو لا يتجاوز تسع سنوات فأدمن التدخين إدمان الجبل والسهل، ولم يعد من السهل أن يتخلص من التبغ، أجرى عملية سببها التدخين ولم يفلح الطبيب في تخديره فكرياته الدموية وخلاياه مخدرة في الاصل، سأله إن كان يدخن الحشيش فقال أنه لا يعرف شكله ولا رائحته، لكنه دخن الكفاية من ” كازا ” و ” تباغا ” ولسوء حظه كان تأثيرها أكثر من الحشيش، بعد العملية وقف عن التدخين لمدة قصيرة وعاد إلى المألوف فعاش وتعايش معه ..
يقول لم أعد أستطيع التخلص منه بالرغم من أن رائحته نتنة وكريهة لدرجة كبيرة،
خلال طفولته لم يستقر قط، فقد فرضت عليه المواسم أن يرتحل كل مرة، فزار معظم مناطق المغرب، وفي كل الحالات ذهب جهده سدا حيث كان يتبع ويسرح الماشية وفي آخر المطاف تباع ولا يرى منها حتى الملابس،
مع سنوات الجفاف تم بيع الماشية فتغيرت المهنة ولم يتوقف الترحال، إستمر الرجل في الجبل وهذه المرة بحثا عن الصخور أو بالمفهوم العامي الاحجار المختلفة، لبيعها للأجانب، وجد منها الكثير ولكن لسوء حظه لم يكن يفرق بين المعادن النفيسة فكان يبيع تلك الصخور بأتفه الأثمان وفي بعض الحالات يعطيها مجانا، مرة واحدة فقط أخذ ثمن رمزيا عن صخرة من طرف أحد المرشدين السياحيين ..
يقول : يأتي السياح كل سنة بحثا عن الصخور المختلفة وكل مرة يسألوننا ان وجدنا أي صخرة مختلفة، بحثنا عنها في كل هذه الجبال طمعا في القليل من المال، لا نعلم الفائدة من هذه الصخور فسألت سائحا فرنسيا مرة فقال لي أنهم يحتاجون تلك الصخور للبحث عن أصلها، ومكوناتها، كان ذلك الفرنسي يتقن العربية والامازيغية فلم يجد أي صعوبة في التواصل مع الرحال أمثالنا ممن لم يدرسوا أي حرف، أندم كثيرا لأنني لم أدرس أي حرف وأتألم ولدي ثقة كبيرة في نفسي لو درست شهرا واحدا سوف أغير الكثير في حياتي، سوف أتخلص من حياة الترحال، جلت في العديد من المناطق في المغرب وأنا أرعى ماشيتي، ولكوني لم أدرس فقد كان الآخر يظن أنني لا أعرف أي شيء وكما يقال : كادت الجولة والسفر أن تغلب التعلم(Drugh atrena ljula taghuri) ، أتذكر مرة انني كنت جالسا مع بعض الاصدقاء فبدؤوا بالمناقشة فأثاروا المناطق التي كانوا يعملون بها. فسبق أن كانوا يعملون في نواحي مدينة طنجة، سألتهم عن المكان فاستهزؤوا بي وظنوا انني لا أعلم الاماكن والمرافق الموجودة في المدن ولكن صدموا حين أعطيتهم الإحداثيات الخاصة بالعديد من الاماكن التي كانوا فيها هناك، لم أدرس ولكن راكمت العديد من التجارب علي طول تسعة وثلاثين سنة،
أندم على الضياع ولكن لا أستطيع أن اقول انني أتحمل المسؤولية وحدي، فأنا بدأت التدخين مند سن التاسعة وقمت بعملية قيصرية سببها التدخين لكن لم أستطيع التخلص منه الا تلك المدة التي قضيتها في المصحة، رائحة السيجارة كريهة وتغير طعمها، خمسة وثلاتون سنة وأنا أدخن السجائر أحسست أن رائحته تغيرت كثيرا وأصبحت جد كريهة ولكن للأسف لم أعد أستطيع التخلص منه …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق