المقاطعة ليست حلا..لماذا؟ بقلم عبد اللطيف الحاميل

بعد أيام سنكون أمام ثاني امتحان في ظل الدستور الجديد، امتحان سنعرف بعد إعلان نتيجته ليلة 5 شتنبر إلى أي مدى نتقدم نحو الديمقراطية؟ وهل نتقدم أصلا أم لا ؟ امتحان إذا نجحنا فيه سننجح لِسِتِّ سنوات، وإذا رسبنا لا قدر الله لن يكون من حقنا اجتيازه مرة أخرى إلا بعد انقضاء هذه المدة، امتحان سيمكننا إما من الوقوف بشكل متوازن بعد تشكيل الغرفة الثانية أو الاستمرار في المشي بشكل أعرج نحو المجهول.ليس الكل مقتنعا بضرورة اجتياز هذا الامتحان من الأصل، ومبررات الداعين للمقاطعة متفرقة بين الموقف الإيديولوجي و السياسي و عدم الاكتراث. و بعيدا عن الشعارات، واحتراما لحق المطالبين بالمقاطعة، دعونا نرى جدوى المشاركة و لماذا هذا الإلحاح عليها؟
– أولا : لأن هذه الانتخابات الجهوية و المحلية التي حالت الحسابات السياسوية دون إجراءها في وقتها هي الأولى من نوعها في ظل الدستور الجديد. نعم لم تُجِبْ أسمى وثيقة في البلاد عن تطلعات وآمال جميع الفئات الاجتماعية والقوى السياسية، وبقيت غامضة وقابلة لتأويلات عدة في بعض جوانبها على الأقل، لكنها وضعت المغرب لأول مرة و بشكل جدي على سكة التغيير. بالإضافة إلى كونها تعتبر بالمقارنة مع الدساتير السابقة متقدمة إن لم نقل ثورية. ومن أهم ما جاء في هذه الوثيقة اعتماد الجهوية المتقدمة، وتعزيز دور المنتحبين مقابل تقليص صلاحيات سلطة الوصاية، وهي صلاحيات من شأنها أن ترفع من دور الجهات وتحولها إلى حكومات محلية ستساهم في خلق دينامية اقتصادية و اجتماعية.
– ثانيا:لأن سياسة الكرسي الفارغ التي تنهجها بعض التنظيمات و الأحزاب السياسية، تخدم الفساد أكثر مما تحاربه، حيث تبقى فئات كبيرة من المواطنين خارج اللعبة، مما يُسَهِّلُ التحكم في المشهد السياسي و إعادة إنتاج نفس الوضع المتردي، اعتمادا على نخب سياسية مشوهة و طفيلية تتغذى من قلة الأحزاب الجادة و المسؤولة ومن ارتفاع نسبة المقاطعين. فمن بين الأسباب التي أضرت بعدد من التنظيمات اليسارية و اليمينية التي عجزت عن التوغل في المجتمع هو اختيارها الدفاع عن قضايا إما بعيدة المنال وغير واقعية، و إما هامشية و بعيدة كل البعد عن هموم المواطن.
– ثالثا: تُنَظَّمُ هذه الانتخابات لأول مرة تحت المسؤولية المباشرة لرئيس الحكومة، وإنجاحها مسؤولية مشتركة بين مختلف الأحزاب و القوى الاجتماعية. و صحيح أن الحكومة هي المسؤولية وحدها عن الجانب التقني و التنظيمي، ولكن الشفافية والنزاهة والمصداقية مسؤولية الجميع. ونجاح هذه الانتخابات أيا كانت الجهة التي تصدَّرتها لا يعني فقط نجاح الحكومة أو الحزب ألأغلبي فيها، بل يعني نجاح مشروع مجتمعي اختار فلسفة أخرى في التغيير حافظت للمغرب حتى الآن، على الأقل، على الاستقرار السياسي والأمن، الذي يعتبر المدخل الأساسي للنمو الاقتصادي وبالتالي العدالة الاجتماعية.
أيها المواطن أيتها المواطنة، هناك الكثير من الملاحظات حول الانتخابات ببلادنا، ومن بينها عدم جدية بعض الأحزاب وسعيها لضرب مصداقية العمل السياسي و تنفير المواطن منه بسلوكيات بائدة، منها ترشيح مفسدين تلَّوثت أيديهم بالفساد هنا و هناك، بل منهم من اتُّخِذَ في حقهم العزل، أو قضت ضدهم محاكم المملكة، بالإضافة إلى الاعتماد على النخب الطفيلية الفاقدة للكفاءة، والباحثة عن السلطة لحماية مصالحها وتنميتها وتهميش المناضلين الحقيقيين.
أيها المواطن أيتها المواطنة انزل يوم 4 شتنبر إلى مراكز التصويت بكثافة و أختر من يمثلك، وحاسب أنت قبل أن تُحاسب أي جهة أخرى.أما المقاطعة فلن تكون حلا أبدا، لأن تجار الانتخابات سيستغلون مقاطعتك أنت و الفئة المُعَوَّلُ عليها للتغيير ليقوموا بشراء الذمم و بأرخص الأثمان، و بالتالي التحكم في الانتخابات. المقاطعة لن تكون حلا أبدا، لأنك ستكون مضطرا للعيش في المدينة و البلدة التي تنتمي إليها، و ستكون مضطرا لتحمل انعكاسات الكوارث الطبيعية، و ضعف الإنارة و الأزبال و غياب المرافق الاجتماعية و الترفيهية وغيرها من الأمور التي سَتترُك لغيرك أن يقرر في مصيرها بدلا عنك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق