أبودرار: الرشوة عششت في بلادنا

ويؤكد أبو درار أنه لا يجب وضع خطوط حمراء في زجر المتورطين في ارتكاب جريمة الرشوة أو الارتشاء، بل يجب أن يكون الجميع سواسية أمام القانون وألا يفلت أحد من العقاب.
– تراجع المغرب إلى المرتبة 88 في مؤشر إدراك الرشوة العالمي. هل الرشوة آخذة في الاتساع بشكل أكبر؟
إذا قرأنا الأرقام بدقة سنجد أن المغرب تقدم على مستوى النقطة التي أصبحت 37/100 بدل 34/100 التي كانت في السنوات الفارطة، وتأخر في المرتبة نظرا لأن قاعدة المقارنة غير قارة، فهناك دول تخرج وأخرى تدخل، وهي دول ليست من نفس الوضعية. فإذا خرجت عدد من الدول الشبيهة بنا من المقارنة ودخلت دول متقدمة فإننا نتقهقر. على كل، هذا قدرنا لأن المغرب لازال يراوح مكانه، ولا زال لم يحرز تقدما حاسما في مجال محاربة الرشوة لأننا نفتقر إلى استراتيجية واضحة المعالم تحدد أهدافا ووسائل لبلوغ هذه الأهداف، وتوزع المسؤوليات وتحدد آجالا زمنية لبلوغ هذه الأهداف على المدى القريب والمتوسط والبعيد. وفي غياب هذه الاستراتيجيات فإن المستجوبين، سواء المستثمرين أو المواطنين أو المراقبين، ليس لديهم معطى لقياس مدى التقدم أو التخلف، وبالتالي يقرون بأن الرشوة مستمرة ومتفشية في جميع القطاعات. وبالنسبة إلينا فالجواب هو أن نستمر في عملنا الدؤوب ذي البعد العميق.
– ما الذي ينقص السياسات التي تسنها الدول في مجال محاربة الرشوة؟
أولا لحد الآن ليست هناك سياسات واضحة المعالم لمحاربة الرشوة. فقد كانت هناك محاولات وبرامج، لكن ليست لها حتى مقومات برامج لأنها لا تشمل أهدافا ووسائل مرصودة لبلوغ هذه الأهداف، ومسؤوليات وآجالا للإنجاز، ومعايير لقياس التقدم أو التخلف، لكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك إجراءات ومجهودات محمودة. الآن يضع الدستور الجديد القطار في السكة لأنه يجعل الحكامة الجيدة من مقومات سياسة البلاد بشكل عام، ويفرد لها هيئات متعددة بصلاحيات دقيقة. إذن يمكن الآن القول إننا سنبدأ في وضع سياسات واستراتيجيات وبرامج وإجراءات.
– هل حجم الرشوة في المغرب أكبر من إمكانيات الدولة؟
ليس مشكل كم، بل المشكل أن الرشوة عششت سنين وعقودا، بل قرونا، وأصبح التعايش معها حاصلا، مما يجعلها صعبة الاجتثاث ليس فقط من المعاملات، ولكن أيضا من العقليات. إذ لم تفرض لها استراتيجيات واضحة، وبالتالي لم يكن لها إلا أن تعشش في المجتمع.
– هل توجد هناك خطوط حمراء عندما نتحدث عن محاربة الرشوة؟
بالنسبة إلي ليست هناك خطوط حمراء. ففي مجال الوقاية الذي نضطلع به لا يمكن أن تكون هناك خطوط حمراء لأننا نضع آليات إذا أفلحنا في وضعها بشكل جيد، فإنها ستسري على الكبير والصغير، وعلى الخاص والعام، وعلى النخبة والجموع. ولما نمر إلى مسألة الزجر هنا يجب أن نحتاط من أن نضع لأنفسنا خطوطا حمراء، وأن يكون الجميع سواسية أمام القانون، وألا يفلت أحد من العقاب إذا ارتكب جريمة الرشوة أو الارتشاء.
– التحقيق والمتابعة والمحاسبة ثلاثي محوري في محاربة الفساد، لكن مجموعة من التقارير تؤكد وجود نوع من التعثر والتساهل على هذا المستوى.
هذا سبقنا أن أشرنا إليه مرار، وقلنا إن الرشوة تحتاج إلى الوقاية والتربية، وهذان عمادان مهمان، لكن لا يمكنهما أن يعطيا أكلهما إلا بمعية الرافد الثالث، وهو الزجر ووضع حد للإفلات من العقاب. وكان هذا بالفعل متعثرا، حيث إن الزجر إلى حدود بضع سنوات فارطة كان موكلا إلى محكمة خاصة، وهذه المحكمة الخاصة كانت تكتسي طابعا استثنائيا، حيث إن المتابعة لم تكن تحرك إلا بإذن وبأمر من وزير العدل. وهذا أمر كنا قد دافعنا، كمجتمع مدني، عن إلغائه، إلا أن القرار الذي اتخذ، مع الأسف، بإلغاء محكمة العدل الخاصة لم يول أهمية إلى ضرورة وضع إطار جديد لا يكتسي طابع الاستثنائي لمكافحة الفساد. وقد انتبهنا إلى هذا في بداية الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، وطالبنا بإيجاد قضاء متخصص لأن الرشوة جريمة صعب إثباتها وصعب التحري فيها ومتابعتها. لذلك وجب أن يتحلى العاملون في هذا المجال بخبرة عالية وبوسائل للإثبات أقوى مما هو موجود بالنسبة إلى الجرائم العادية.
– أثارت مقولة رئيس الحكومة «عفا الله عما سلف» جدلا واسعا. كيف تلقيت هذه التصريحات؟
ما فهمت من كلام رئيس الحكومة هو أنه طبعا يجب وضع حد للإفلات من العقاب، أي كل من ثبت تورطه وكل من وصل إلى علمنا من ممارسات مشينة، سواء عن طريق تقارير الهيئات المختصة أو الصحافة أو الفضح، يجب أن تبت فيه العدالة مع احترام كل شروط حق الدفاع وقرينة البراءة، وأن تأخذ العدالة مسارها. وأظن أن ما أراد أن يقوله رئيس الحكومة هو أنه ليس علينا أن نخرج الملفات القديمة لنفتحها ونبت فيها حتى نعاقب من ارتشى في سنة 1965 أو 1970 أو غيرهما. وهذا غير وارد لأنه لا يمكن أن نمضي وقتنا في معالجة قضايا عفا عنها الدهر، وهذا يقر به الخبراء الجهابذة في هذا المجال، وقد ساهمت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في ترجمة كتاب لخبير كان بمثابة مدير ومستشار بهيئة محاربة الفساد المشهور في «هونغ كونغ»، التي أحرزت نتائج باهرة. ويفرد هذا الخبير فصلا كاملا لمعالجة قضايا الماضي، ويقول إن القضايا الحية الآن يجب معالجتها إلى حدود وضع حد للإفلات من العقاب، ولا حاجة للعودة إلى ملفات ماضية لفتحها بدعوى أنه يجب أن نضع كما يقال مسلسل «حقيقة وإنصاف» في هذا المجال، وهذا غير وارد لأنه إذا دخلنا في هذه المسألة فلن نخرج منها.
– ما هو تصور الهيئة لمسألة تضارب المصالح والجمع بين السلطة والاقتصاد؟
تضارب المصال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق