«الجنوية» تحت أقدام الأمهات

من وجدة إلى آزمور، ثلاث محطات لجرائم بشعة حوَّلت صفة «مرضي الوالدين» إلى مُردِي الوالدين قتلى. اختلفت وقائع الجرائم وملابساتها، ولكن الفاجعة واحدة؛ فابن قرية سيدي علي بنحمدوش، الراقدة على نهر أم الربيع، اختار نحر والدته العجوز بعد أن أشبعها رفسا وركلا وتعنيفا، ثم غسل السكين بماء النهر وجلس يعاقر ما تبقى له من خمر، قبل أن يسقط في يد دورية للدرك حولته إلى المخفر وحررت محضرا ضد رجل مشبع بالخمر وبرضى الوالدين.
وفي اليوم ذاته، أقدم صاحب سوابق على قتل والدته، بعد أن تسبب لها في إعاقة دائمة، مقدما نفسه إلى الرأي العام كعاق كامل الأوصاف. وحسب البيانات المتوفرة، فالقاتل -الذي قضى سبع سنوات في السجن- كان يتوعد بقتل والدته بمجرد مغادرته المعتقل بعفو نظرا إلى حسن سيرته.
وفي شرق البلاد، أشرق نور رضى الوالدين حين استعمل شخص، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، آلة حادة لإزهاق روح والدته التي كانت تدعو له بالتوبة والمغفرة وهي تصارع الموت في مسكنها البسيط في حي الطوبى بمدينة وجدة، لكن أينما تولوا وجوهكم فثمَّ جرمٌ ضد الوالدين.
وفي مدن أخرى، مارس الكثيرون هواية العنف ضد الأصول ابتغاء المال، قبل أن ينالوا رصيدا مضاعفا من سخطِ الوالدين، كان كافيا لتحويلهم إلى أبناء يعانون العقوق في أبشع تجلياته، عمت البلاد حالة استنفار قصوى من جراء جرائم ليست كبقية جرائم النصب والنشل والاحتيال وتبييض الأموال، فهي تنتشل من المرء إنسانيته وتقتل فيه المروءة و«تزرق» جسد الأم التي ولدته وأخرجته إلى الكون وربته، منذ أن كان صغيرا حتى اشتد ساعده، فأحالها إلى جثة هامدة.
في الملجأ الخيري لعين الشق بالدار البيضاء، صادفتُ يوما شابا جيء به إلى الخيرية، بتدبير قضائي إثر إجهازه على والده بضربة غادرة أردته قتيلا. قال الفتى لأخصائية اجتماعية مرتبكة إنه قتل والده لأنه يشتغل في «لافوار» ويرتدي ملابس راقصة. استغربت الأخصائية قبل أن يخرجها النزيل من سهوها وهو يردد على مسامعها عبارة «اقتلوا من لا غيرة له».
في السادس من فبراير، قُتلت ثلاث أمهات على أيدي فلذات أكبادهن، وهو ما يستدعي تعديلا طفيفا على هذا الموعد الدامي، الذي خصصه المجتمع الدولي للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على ختان الإناث، وتحويله إلى يوم وطني لرضى الوالدين، بعد أن اختار الجناة ضرب الركيزة الأساسية لواحدة من أقدس المؤسسات، وهي مؤسسة الأسرة.
هناك من يبحث عن مدان في قضية الجرم ضد الأصول، فيدين المؤسسات التي عهد إليها بتربية النشء، ويأسف على العُطل الحاصل في وسائل التنشئة الاجتماعية بدءا بالمنظومة التعليمية، التي أصبحت بدورها مهددة بالنحر، بعد أن أصبح المعلم عرضة ل»التبهديل» وهو الذي كان إلى زمن قريب في مرتبة أقرب ما تكون إلى مرتبة الرسول، بينما يقدم الشارع يوميا لمرتاديه دروسا إضافية في الإجهاز على مبادئ التربية أو ما تبقى منها، وحين يعود الفتى إلى بيته يتحفه التلفزيون ببرامج الترفيه الدموي، من مداولة إلى أخطر المجرمين مرورا بمسرح الجريمة، حينها يزيد الرصيد المعرفي وتصبح التعبئة الإجرامية مضاعفة.
ومن الصدف الغريبة أنه في نفس ليلة الجرائم البشعة، كان التلفزيون المغربي يعرض على أنظار مشاهديه حلقة من مسرح الجريمة، حاول فيها رجل قتل ابنه قبل أن يُكتشف أمره، بشتى الوسائل، في مشاهد مقززة لا تنفع معها عبارة «ممنوع على أقل من 12 سنة».
حين تعيش جرائم كانت تشكل، في زمن الحياء، أضعف نسبة في سجلات الإدانة، ستكتشف سوء الفهم الكبير الذي جعل الجناة يعطلون مضمون الآية الكريمة التي تجعل الوالدين في منأى عن الغضب، ويحولون عبارة «لا تقل لهما أفٍّ» إلى «أف» تطفئ شمعة حياة أمٍّ وضعت الجنة تحت أقدامها.

حسن البصري نشر في المساء يوم 09 – 02 – 2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق