إنزكان .. مدينة تنامُ وتستيقظ على إيقاع فوْضى لا تنتهي

إنزكان

إنزكان مدينةٌ لا تتغيّر؛ يغيبُ عنْها المرْءُ سنواتٍ وحينَ يعودُ يجدُها كما ترَكها، غارقةً في فوْضى حركة المرور، وفوضى البائعين الجائلين، وكأنَّ القَدرَ كتَبَ عليْها أن تستحْملَ الفوضى، وتُتوّجَ “عاصمةً” لها إلى أبد الآبدين.

خلْفَ الواجهةِ “البرّاقة” لمدخل المدينة حينَ يأتيها المرءُ قادما من مدينة أكادير، التي لا تبعُد عنها سوى ببضعة كيلومترات، ثمّة وجْه آخرُ، سِمتُه البارزة “القبْحُ” والفوضى، على جميع المستويات، خصوصا في مركز المدينة.

في مدْخل محطّة سيارات الأجرة الكبيرة ومحطة الحافلات ثمّة ساحةٌ مُتربةٌ يجتمع فيها النّاسُ حوْلَ الحكواتيين (الحلايْقيّة)، عنْدَ هذا المدْخل تلفظ سيارات الأجرة المسافرين القادمين من أيت بها وبيوكرى والقليعة ومناطقَ أخرى.

ولا يَحْتاج المرْءُ أنْ يسْرَح بخياله ليَتوقّعَ الحالَ التي يُمكن أن يجدَ عليها محطة سيّارات الأجرة في الدّاخل، فأمارات البيْت على بابها، كمَا يُقال، وبابُ محطّة سيّارات الأجرة، الذي ليسَ سوى كُوَّةٍ واسعة في سورٍ يُنبئ بحال الدّاخل.

قبْلَ أن يدْلفَ المرْء إلى داخل المحطّة من “بابها” لا بُدَّ أنْ يَرى مشاهدَ مقزّزةً ومنفّرةً ومستفزّة للذوْق والبصر. هُنا، لا يجدُ النّاسُ غضاضة ولا حرجا من فتْح أزرار سراويلهم وسفْح محتويات مثاناتهم على السّور، وفي أيّ مكان.

وكلّما انغمسَ المرْء في فوْضى محطّة سيارات الأجرة الكبيرة تزدادُ الصورة بشاعة؛ حيثما ولّيْت وجْهك تجدُ الفوْضى، والاختناق، والمناظرَ البشعة، أمّا الأذن فتصمكُ من قوّة منبّهات سيّارات الأجرة والحافلات ومنبّهاتها وصياحِ “الكورتيّة”.

في العشيّة، تغصّ محطّة سيارات الأجرة، ومحطّة حافلات النقل الحضري التي تجاورُها بالغادين والمُقْبلين، وعنْدما تستقرّ عقارب الساعة على السادسة تبْلغُ الفوضى في المحطّة وجوارها ذرْوتها.

وفي غياب النظام داخلَ المحطّة يلزمُ الإنسانَ ليظفرَ بمكانٍ داخلَ سيّارة أجرة أنْ يرميَ كلّ أدبِ اللباقة خلْفَ ظهره، ويلجأ إلى ذراعيْه ليتنافسَ مع المتنافسين؛ ولغاية الحصول على مكان داخل تاكسي يتحوّل التنافس أحيانا إلى شجاراتٍ تحْسِمُها اللكمات.

قدْ يبْدو المشهدُ غارقا في السّريالية لكنّه واقعٌ يوميّ تشهد عليه أقْواسُ “سوق الثلاثاء” المقابل لمحطة سيارات الأجرة، تلْك الأقواس التي تستوْطنها بدوْرها الفوضى كلّ عشيّة، حين تفدُ على المكانِ جيوش من البائعين الجائلين، فتختلط السّلعُ الرخيصة المعروضة على الرصيف مع أرْجل المُشاة.

وعلى طُولِ الشارع الرئيسي في اتّجاه السوّق المركزّي يقرأ المرْء عنوانا واحدا: “الفوضى”؛ والشيء ذاتُه عنْد ملتقى الطرق في مخرج المدينة، حيثُ تزدحمُ وسائل النقل بمختلف أشكالها وأنواعها.

حينَ يُسْدل الليل ستائره على المدينة، وتشرع محطة سيارات الأجرة في استرجاع هدوئها، تفدُ على المكان مجموعات من المشرّدين، يتصايحون ويتشاجرون، فتصيرُ المحطّة مُوحشةً، يلْزمُ والجَها التحلّي بكثير من الحذر واليقظة، فتنامُ المدينة على هذا النّحو، وتستيْقظ لتعيش كمَا أمْستْ، في فوضاها، وصخبها ومشاهدها الغارقة في البُؤس.
محمد الراجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق